٤ - وفوق ذلك كله فان القرط يساعد في فهم كثير من أمهات الكتب العربية وإصلاح متونها، فقد كان المؤلفين في عصر كثر فيه ورود مؤلفات المشارقة الأعلام في الأندلس، وكانت لديهما أكثر من نسخة لكل كتاب ككتاب الأغاني، والبيان والتبين للجاحظ، وأدب الكتاب لابن قتيبة، وعيون الأخبار، والشعر والشعراء له أيضا، وامالي القالى، وجمهورة ابن دريد، وغير ذلك من دواوين الشعر والنثر، ويبدو أن النسخ التي عول عليها المؤلفان من هذه الأمهات، كانت في غاية النفاسية والجودة والاتقان، ومعظمها قد ضاعت وعصفت بها يد الأيام ن ولكن الاقتباسات التي أخذوها منها، وادخلوها فيما كتباه على الكامل، قد بقيت، ووصلت إلينا في طيات القرط، وهي تساعدنا في إصلاح المتون وتصحيحها، بما فيه الكامل للمبرد وغيره من المتون والأصول العربية فمن ذلك ما جاء في الأغاني في ترجمة بشار بن برد ما نصه:" كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعممى، وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبى العوجاء ورجل من الزدقال أبو محمد يعنى جرير بن حازم فكانوا يجتمعون في منزل الأزدى، ويختصمون عنه. فاما إلى الأعتزال، واما عبد الكريم وصالح، فصححا التوبة، وأما بشارفبقي متحيرا مخلطا، واما الأزدى فمال إلى قول السمنية، وهو مذهب من مذاهب الهند، وبقي ظاهره على ما كان عليه. قال " سعيد بن سلام ": فكان عبد الكريم يفسد الأحداث، فقال له عمرو بن عبيد: قد بلغنى أنك تخلو بالحدث من أحداثنا فتفسده وتدخله في دينك فان خرجي من مصرنا وإلا قمت فيك مقاما آتى فيه على نفسك، فلحق بالكوفة. فدل عليه محمد بن سليمان فقتله وصلبه بها ".
عندما نقرأ هذه العبارة، أكثر من مرة. ونفكر في معانيها، وسياقها وسباقها فان القرأة تثير أسئلة في الذهن مثلا: لم قال الراوي: فصححا التوبة " بدل " فتابا "؟ أما كان له من الممكن أن يكتفى بذكر الفعل ولا يذكر تصحيحه؟ أهل التوبة عقيدة من العقائد أو مذهب من المذاهب أو رأى من الأراء فيصوبه الإنسان أو يصححه؟ أم هو عمل من الأعمال يحتاج فيه الإنسان إلى الإخلاص والنصوح فحسب؟ هل كانت هي " التوبة الصحيحة " التي جعلت عبد الكريم وصالحا يتبعان آراء أهل الأهواء، والبدع، والزنادقة؟ أليس في الرواية تناقصا وتعارضا كيف يمكن للرواى أن يقول إن عبد الكريم كان قد صحح التوبة، ويقول في نفس الوقت، وفي نفس العبارة أنه كان يفسد أحداث المعتزلة ثم يدخلها في دينه؟ ثم ما هو دينه؟ أهي التوبة الصحيحة التي كان قد صححها هو وصالح بن عبد القدوس.
ومن الصعب جدا أن ينتبه القارئ إلى هذه الأسئلة في قرأة عادية غير عميقة أو يجد لها الأجوبة إلا إذا قرأ ما اقتبسه ابن السيد من الأغاني فقال: " كان بالبصرة ستة من أصحاب اكلام، عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى، وصالح بن منزل الأزدى، وعبد الكريم بن أبى العوجاء، وجرير فصار إلى القول بالاعتزال، واما عبد الكريم وصالح، فصححا التوبة ... إلى قوله.... وصلبه....... ٣.
فقد عرفنا أن كل واحد منهم اختار مسلكان من المسالك، واعتنق عقيدة من العقائد، أو مذهبا من المذاهب، واختار عبد الكريم. وصالح وصححاها، وصوباه، فانك إذا جعلت التوبة توبة، فقد أمامك بابا من المكارة والالام الذي لا يغلقه إلا القرط على الكامل، حفظك الله، وأيانا والمسلمين جميعهم من ذلك.
وفي القرط امثلة كثيرة من ذلك، ذكرنا منها واخذا، ليعرف القارئ الكريم قيمة الكتاب ومكانته بني مؤلفات الفن.