أسرة الوقشي عريقة في العلم والأدب والفضل وقد نشأ فيها عدد من الأعيان الأفاضل، وحصلت لهم النباهة والشهرة ونالوا من المناصب والمكانة المرموقة والمكارم مالا يمكن إنكاره أو تجاهله، وقد اعترف به المؤرخون فمن هذه الأسرة الكريمة كان الوزير أبو جعفر وهو ابن أخي أبي الوليد الوقشي وابنه أبو الحسين ونقف قليلا عند ترجمتهما حتى نعرف ما لهذا الأسرة من النباهة والفضل والكرامة.
[أبو جعفر الوقشي]
هو أحمد بن عبد الرحمن أبو جعفر الوقشي من بيت القاضي أبي الوليد هشام بن أحمد الوقشي ووزير الرئيس ابي إسحاق ابن همشك وهو أحد الكفاة الأمجاد والدهاة الأنجاد. قام بأمر صاحبه ابن همشك أحسن قيام وكان ضابطا لأعماله مصلحا لأحواله.
وهو ابن أخي صاحبنا أبي الوليد الوقشي كما يرى ابن الأبار وكما هو الظاهر من سلسلة نسبه.
وكان ابن همشك استخلفه على جيان سنة ٥٥٧هـ حين لاذ بالفرار خوفا من جيش الموحدين فناب أحسن مناب من صاحبه آثر محل ولم يزل بعد ذلك يحسن الضبط لبلاده ويظهر الكفاءة في كافة محاولاته إلى أن اعتلق صاحبه ابن همشك بالدعوة المهدية ونابذ صهره محمد بن سعد وذلك في سنة ٥٦٢هـ.
وعند ما اشتدت المعاداة والمنابذة بين ابن همشك وبين ابن سعد، وجه وزيره أبا جعفر هذا وافدا عنه إلى الموحدين في مراكش ومستصرخا على صهره وعدوه ابن سعد الذي كان قد وكئ أعماله ودوخها وتغلب على كثير من حصونه ومعاقله.
ويبدو أن المساعدة الموحدية لصاحبه ابن همشك تأخرت كثيرا لأننا نراه قد وصل إلى مراكش ويهنئ أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن بن علي بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك من قصيدة طويلة مطلعها:
تحن إليكم وافدات المواسم ... فتهدي إلى كفيكم تغر باسم
ثم نراه يموت بمقالة صادرا عن مراكش في سنة ٥٧٤ وكان صاحبه أبو إسحاق ابن همشك قد مات قبله بمكناسة في سنة ٥٧٢هـ.
وقد ذكر الشيخ أبو الربيع بن سالم أن أبا جعفر الوزير الوقشي كان يمر ببقيع مالقه فاستحسن ما رأى من زخرفة القبور به وأغراس الأشجار ذات النواوير والأزهار في أثناءها فتمنى أن يدفن هنالك فوفت القدار بأمنيته ووافته منيته فدفن هنالك.
وكان الوزير أبو جعفر متكبرا تياها معجبا بنفسه وقال له يوما بعض ندماء ملكه، صاحب جيان ابن همشك، يا أبا جعفر؟؟؟ أنت جملة المحاسن، وفيك الأدوات العلية التي هي أهل لكل فضيلة غير أنك قد قدحت في ذلك كله بكثرة عجبك وإذا مشيت على الأرض تشمئز منها. فقال له كيف لا أشمئز من شيء أشترك معك في الوطئ عليه؟؟ فضحك من حضر من جوابه.
وهو القائل في الكبر والإعجاب بنفسه " " الطويل "
إذا لم أعظم قدر نفسي وأنني ... عليم بما حاوته منعظم القدر
فغيري معذور إذا لم يبرني ... ولا يكبر الإنسان شيء سوى الكبر
وله في هذا المعنى " الطويل "
تكبر وإن كنت الصغير تظاهرا ... وباعد أخا صدق متى ما اشتهى قربا
وكن تابعا الهر في حفظ أمره ... الست تراه عندما يبصر الكلبا
وكانت تحته بنت ابن همشك فطلقها ثم ندم على ما فعل. وكانت له بنت تزوجها ابن جبير الرحالة وماتت بسبته فدفنها بها وقال فيها " المتقارب ":
بسبتة لي سكن في الثرى ... وخل كريم إليها قد أتى
فلو أستطع ركبت الهواء ... فزرت بها الحي والميتا
وقد عده ابن الأبار من مفاخر الأندلس وقال فيه " وللوقشي تحقق بالإحسان وتصرف في أفانين البيان وكتابي المؤلف في أدباء الشرق المترجم بايماض البرق مشتمل على كثير من شعره وقال عنه الأستاذ الطباع: والدراس لشعر أحمد هذا يدرك رقة شاعريته وجمال عبارته وحنينه إلى زوجته التي غادرت منزله والتي كانت إلى الأمس القريب تملاء البيت إشراقاً.
وكان شاعر الأندلس أبو عبد الله محمد بن غالب الرصافي البلنسي، الذي كان يقال له " ابن رومي الأندلس " لحسن اختراعه وتوليده، قد مدح الوزير المتكبر أبا جعفر الوقشي بقصيدة أولها " الكامل ":
لمحلك الترفيع والتعظيم ... ولوجهك التقديس والتكريم
؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أبو الحسين الوقشي