للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرجح، أن هذا لم يكن مع المأمون، وإنما كان مع حفيده القادر، لأن ابن السيد، لم يقل بيتا واحدا في مدح المأمون، فيما بلغنا من شعره، مع أنه قد مدح القادر كما مدح الملوك الآخرين، الذين اتصل بهم وحضر مجالسهم، ومآدبهم، كابن رزين، وابن هود، ونبي عبد العزيز فلو كانت له صلة بالمأمون، وشركة في مجالسه، وحظا من حاشيته، وعطاياه، لقال فيه شعرا، ولخلد ذاكراهن ثم أن ابن السيد، لم يكن قد بلغ درجة من العمر، والشهرة، التي تؤهل الإنسان، أن يكون سمير الملك، وأكيله وشريبه وخاصة إذا كان في بلاطه عددا ضخما من الأعلام والفحول، فانه من الصعب أن يحظى شابا ناهض، من حاشية الملك بشيء، وعنده فطاحل الأدب والشعر. إلا أنه اتصل بالأميرين يحي بن إسماعيل بن يحي المأمون، وعبد الرحمن بن عبيد الله ابن ذيي النون فمدحهما، وحضر مجالس الأنس والطرب لهما.

وكانت لابن السيد صلة ببني عبد العزيز، أصحاب بلنسية، فانه قد رثى الوزير الأجل، أبا عبد الملك ابن عبد العزيز، وأشاد بذكر الوزير أبي بكر ابن عبد العزيز الذي كان المأمون قد استخلفه، على بلنسية بعد أن أسقط ملكها، وأدمجها إلى مملكته طليطلة، وذلك سنة ٤٥٧هـ. وأغلب الظن أن صلته ببني عبد العزيز في حياته المأمون هي التي أخرته عن مجالسه ومدحه له. وقال ابن السيد في قصيدته التي رثى بها أبا عبد الملم وأشاد بذكر أبي بكر والتي مطلعها: " الطويل ".

فؤادي قريح قد جفاه اصطباره ... ودمعي أبت إلا انسكابا غزاره

ويعزى بني عبد العزيز قائلا " الطويل ":

عزاء بني عبد العزيز وإن خلا ... من المجد مغناه وهد مناره

لكم شرف أرسي قواعد بيته ... أبو بكر الساري إليكم نجاره

أجل وزي، عطر الأرض ذكره ... وأخجل زهر النيرات فخاره

فلو كان للعلياء جيد، ومعصم ... لأصبح منكم عقده وسواره

ففيكم لهذا الصدع آس وجابر ... وإن كان صعبا أسوه وانجباره

ولما مات المأمون سنة ٤٦٧هـ، وخلفه حفيده، يحي القادر بالله، كان لابن السيد فيه أملا ورجاء، وكان يتوقع منه خيرا وحسنة، وكان يطمع في إحسانه إليه، فمدحه وقال فيه قصيدة مطلعها " الطويل ":

ضمان على عينيك أبي هائم ... تصدع قلبي حول وصلك حائم

وفيها يقول:

وما أنت إلا آية الله في الورى ... وحكمته أن قال بالعلم عالم

لقد بخسوك الحق جهلا، وأخطأت ... بما رجمت فيك الظنون الرواجم

كما بخسوا يحي ابن ذب النون حقه ... فقالوا ابن سعدي في النوال وحاتم

وفيها يقول:

لنا بارق من بشره ليس خلبا ... إذا شامه يوما من الناس شائم

عليه من المأمون يحي مشابه ... ترى، ولإسماعيل فيه مباسم

إلى أن يقول له:

وأورثك المأمون صارمه الذي ... به لم تول تفرى الطلي، والجماجم

فصمم ولا تحجم فانك صارم ... وحسام، ومنه في يد الله قائم

إلا أن هذا الملك الجديد الشاب، قد ساءت سيرته وفسدت أخلاقه، فأساء إلى النبهاء والزعماء، من أمثال ابن الحديدي، عونهم ومدبر ملكهم، حتى قتلته طائفة مفسدة من أهل طليطلة في القصر الملكي، وأفسد حال طليطلة وأهلها، فثاروا عليه. فزهد فيه الفقيه الأجل، فتركه، وسار متوجها إلى السهلة، وعليها أبو مروان عبد الملك بن هذيل ابن رزين، الملقب بحسام الدولة، وكان عند وصوله إليه قد بفعه أرفع محل وأنزله منزلة أهل العقد والحلن وأطلعه في سمائه، وأقطعه ما شاء من نعمائه، وأورده أصفى مناهل مائة، وأحضره مع خواصه وندامائه، وكانت دولته موقف البيان، ومقذف الأعيان، ومحصب جمار الآمال، وأعذب موارد الأجمال، لولا سطواته الباطنة، ونكباته البارية، لسهام الرزء الرائشة فقلما سلم منها مفاد الأموال، ولا أجمد عقبا معه صاحب ولا وال، فأحمد هو أول أره معه، واستحسن مذهبه في جانيه ومنزعه، ولم يدر أن بعد ذلك الشهد شرب علقم، وان السم تحت لسان ذلك الرقم، فقال رحمه الله يمدحه: " الطويل "

عسى هطفة ممن جفاني يعيدها ... فتقضي لباناتي ويدنو بعيدها

وقصيدته هذه من عيون الشعر الأندلس، وفيها يقول:

<<  <   >  >>