وللاستزادة ينظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ١٨٤ - ٢١٢): (٩٩)، وتاريخ الإسلام، (الطبقة: ٤٦/ الترجمة: ١٦٨)؛ كلاهما للإمام شمس الدين الذَّهبيِّ (٧٤٨ هـ)، وسياق الكلام فيها له -رحمه الله- مِنَ: السِّيَر، غير أنِّي عمدت إلى النص؛ فاختصرته، وهذَّبته، ورتبته. عقيدة ابن حزم ومنهجه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وَإِنْ كَانَ «أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ» فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ، لَكِنْ قَدْ خَالَطَ مِنْ أَقْوَالِ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مَا صَرَفَهُ عَنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ، فَوَافَقَ هَؤُلَاءِ فِي اللَّفْظِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْمَعْنَى. وَبِمِثْلِ هَذَا صَارَ يَذُمُّهُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين وَعُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِاتِّبَاعِهِ لِظَاهِرٍ لَا بَاطِنَ لَهُ. كَمَا نَفَى الْمَعَانِيَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِاشْتِقَاقِ، وَكَمَا نَفَى خَرْقَ الْعَادَاتِ وَنَحْوَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ. مَضْمُومًا إلَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْوَقِيعَةِ فِي الْأَكَابِرِ وَالْإِسْرَافِ فِي نَفْيِ الْمَعَانِي، وَدَعْوَى مُتَابَعَةِ الظَّوَاهِرِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَقْوَالِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ، وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ، وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ: مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ، فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ، يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ. وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ = =وَالضَّعِيفِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ» انتهى. مجموع الفتاوى (٤/ ١٩ - ٢٠). وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- أيضًا: «وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم، مع أنه لا يثبت علمًا هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة، وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة والحديث، ويذم الأشعري وأصحابه ذمًّا عظيمًا، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة والحديث في الصفات، ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك» انتهى. درء تعارض العقل والنقل (٣/ ٢٤). وقال شيخ الإسلام أيضًا: «وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني، وهذا يشبه قول من يقول بأنها تقال بالاشتراك اللفظي، وأصل غلط هؤلاء شيئان: إما نفي الصفات والغلو في نفي التشبيه، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج، فالأول هو مأخذ الجهمية ومن وافقهم على نفي الصفات، قالوا: إذا قلنا: عليم يدل على علم، وقدير يدل على قدرة؛ لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات. وهذا مأخذ ابن حزم؛ فإنه من نفاة الصفات مع تعظيمه للحديث والسنة والإمام أحمد، ودعواه أن الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره، وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء من أقوال الفلاسفة والمعتزلة عن بعض شيوخه، ولم يتفق له من يبين له خطأهم، وَنَقَل المنطق بالإسناد عن متَّى الترجمان» انتهى. منهاج السنة النبوية (٢/ ٣٥٣). وقال ابن كثير -رحمه الله-: «كان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه، فأورثه ذلك حقدًا في قلوب أهل زمانه، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة، وقد جاوز السبعين، والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريًّا حائرًا في الفروع، لا يقول بشيء من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا= =الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرًا في نظره وتصرفه، وكان مع هذا من أشد الناس تأويلًا في باب الأصول، وآيات الصفات وأحاديث الصفات؛ لأنه كان أولًا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ما كولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات» انتهى. البداية والنهاية (١٢/ ١١٣). وينظر: طبقات علماء الحديث. لابن عبد الهادي (٣/ ٣٤٩). وقال أعضاء اللجنة الدائمة: «من العلماء المبرزين في الأصول، والفروع، وفي علم الكتاب والسنة، إلا أنه خالف جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب؛ لجموده على الظاهر، وعدم قوله بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة، وخطؤه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء والصفات أشد وأعظم» انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (١٢/ ٢٢٣).