لقد عظَّم الله -سبحانه وتعالى- شأنَ الصلاة، ورفع قدرها وذِكرَها، وأعلى مكانتَها في شريعتنا الغراء، فهي أعظم وأهم وآكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي من معالم الدين العظمى وشرائعه الكبرى.
وقد شرعها الله على أكمل الهيئات وأتمها وأحسنها، وقد حوت الصلاة أنواعًا من العبادات وصنوفًا من الأذكار، من تلاوة للقرآن، وما تضمنته من حمد وثناء وتمجيد وتسبيح وتنزيه وإخلاص وتقديس وإخبات وإنابة وإجلالٍ للرب -سبحانه وتعالى-، واستغاثة به جل في علاه، وإفراده سبحانه بالعبادة والاستعانة التي هي أعلى درجات منازل إياك نعبد وإياك نستعين، كما حوت مشاهد عظيمة من الذل والانكسار والإخبات بين يدي جبار السموات والأرض، وتكبير يُنبئ عن طرح كل ما سوى الله من قلب العبد، وتعظيم لله تعالى واستصغار لكل ما دونه -سبحانه وتعالى- من المخلوقين، مع ما جمعته وحوته من وقوف وانتصاب لا حركة، فيه مذلة لله، وركوع كله خضوع وخشوع لله، وسجود في ذلِ وانكسار بين يدي الله، ودعاء وابتهال وتبتل لله، وهي رأس العبادات البدنية، وهي أول ما يحاسب به العبد من عمله يوم القيامة، وهي حد فاصل بين الإسلام والكفر، كما قال ابن سعدي: «حَثَّهُ (لقمان) عَلَيْهَا، وَخَصَّهَا لِأَنَّهَا أَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ» (١).
ولعظم مكانتها وجليل قدرها فرضها الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج في السموات العلى بلا واسطة؛ بخلاف سائر الشرائع السماوية؛ وأنه لم تخل منها