للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ مُقَاتِل: اخْفِضْ صَوْتَكَ {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} [لقمان: ١٩] أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩] أَوَّلُهُ زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ، وَهُمَا صَوْتُ أَهْلِ النَّارِ» (١).

ولذا يصف الله عذابهم في النار فيقول سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦)} [هود: ١٠٦].

[من حكمة لقمان تعليل الأمر والنهي]

ومن حكمة لقمان الإتيان بالعلة بعد الموعظة، وهذا أدعى لحصول الاقتناع بها ولقبولها والانقياد لها، فلما أمره باجتناب الشرك أتى بعلته الموجبة لاجتنابه فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} [لقمان: ١٣]، وكذلك جاء عقب الوصية بالوالدين التعليل ببيان السبب الموجب لبرهما ولا سيما الأم، فقال: { .. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ .. } [لقمان: ١٤]، ثم جاء بعده الأمر بشكره سبحانه وشكرهما، وبعد أن جاء الأمر باتباع سبيل المؤمنين جاء بيان العلة والسبب في قوله: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)} [لقمان: ١٥] من الخير والشر صغيرًا كان أم كبيرًا، ولما نهاه عن الكبر قائلًا: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: ١٨] علل سبب التحذير منه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)} [لقمان: ١٨]، وهنا لما أمره بغض الصوت وخفضه {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: ١٩] علل الأمر بقوله: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)} [لقمان: ١٩]، ولا شك أن لقمان سلك مسك الحكمة في التربية والموعظة


(١) البغوي (٦/ ٢٩٠).

<<  <   >  >>