موعظته لابنه من عبوديته للخالق بإقام الصلاة إلى عبوديته سبحانه مع الخلق، فيوصيه بمخالطتهم ودعوتهم والصبر على ما يناله من أذى بسبب ذلك في ذات الله سبحانه، والسعيِ إلى التأثير في نفوسهم، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ودعوتهم إلى الله تعالى؛ وتلك الرسالة العظيمة من عزائم الأمور وهي من المهام العظيمة التي أُنيطت بالرسل الكرام -عليهم السلام-، الذين خالطوا الناس وصبروا على الأذى في ذات الله ومن أجل إبلاغ الحق للخلق، فلم يعكفوا على عبادة ربهم متبتلين في صوامعهم، ولم يعيشوا في عزلة عن مجتمعاتهم، مخلفين وراءهم أعظم مهمة وأَجَلَّ رسالة، فلهم فيهم أسوة حسنة، بلاغًا وصبرًا واحتسابًا.
وبعد أن صلحت نفسه واكتملت بالفضائل تهيأت لأن تصلح غيرها وأن يكون الابن داعيًا إلى الله آمرًا بالمعروف مؤتمرًا به وناهيًا عن المنكر منتهيًا عنه، فجاءت الوصية به.
ويؤكد هذا المعنى الرازي فيقول:«{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[لقمان: ١٧] أي: إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا أنفسهم ويكملوا غيرهم»(١).
ثانيًا: بيان مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدين.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من أوجب فرائض الدين، وشعيرة من أعظم شعائره، ولذا ضمه لقمان ضمن وصاياه الخالدة لولده.
وإن مما حازت به هذه الأمة الخيرية بين الأمم قيامها بهذه الشعيرة العظيمة،