للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالص حقه، وإن فرَّ من تسمية فعله ذلك تألهًا وعبادة وشركًا، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها.

فالشرك إنما حرم لقبحه في نفسه، وكونه متضمنًا مسبة للرب، وتنقصه وتشبيهه بالمخلوقين، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير اسمه، كتسميته توسلًا، وتشفعًا، وتعظيمًا للصالحين، وتوقيرًا لهم ونحو ذلك، فالمشرك مشرك شاء أم أبى» (١). اهـ.

ثالثًا: بيان لأول وصايا لقمان في ضوء كلام أهل التفسير:

يقول ابن عاشور: «ابْتَدَأَ لُقْمَانُ مَوْعِظَةَ ابْنِهِ بِطَلَبِ إِقْلَاعِهِ عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ لِأَنَّ النَّفْسَ الْمُعَرَّضَةَ لِلتَّزْكِيَةِ وَالْكَمَالِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ تَخْلِيَتُهَا عَنْ مَبَادِئِ الْفَسَادِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّ إِصْلَاحَ الِاعْتِقَادِ أَصْلٌ لِإِصْلَاحِ الْعَمَلِ» (٢). اهـ.

وكأن ابن عاشور يريد أن يؤكد قاعدة التخلية قبل التحلية والتصفية قبل التربية وقد مرَّ بنا ذلك منذ قليل.

ويقول ابن عاشور: «وفَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَالِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا كَانَ لِتَلَبُّسِ ابْنِهِ بِالْإِشْرَاكِ، وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ ابْنَ لُقْمَانَ كَانَ مُشْرِكًا فَلَمْ يَزَلْ لُقْمَانُ يَعِظُهُ حَتَّى آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الْوَعْظَ زَجْرٌ مُقْتَرِنٌ بِتَخْوِيفٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (٦٣)} [النساء: ٦٣] وَيُعْرَفُ الْمَزْجُورُ عَنْهُ بِمُتَعَلِّقِ فِعْلِ الْمَوْعِظَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ


(١) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (٢/ ٢٩٨ - ٢٩٩).
(٢) التحرير والتنوير (٢٢/ ١٥٥).

<<  <   >  >>