للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«يريد: ألَّا يتأول في الأمر والنهي علة تعود عليهما بالإبطال، كما تأول بعضهم تحريم الخمر بأنه معلل بإيقاع العداوة والبغضاء والتعرض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه، ومن العلل التي توهن الانقياد: أن يعلل الحكم بعلة ضعيفة لم تكن هي الباعثة عليه في نفس الأمر فيضعف انقياد العبد إذا قام عنده أن هذه هي علة الحكم، ولهذا كانت طريقة القوم عدم التعرض لعلل التكاليف خشية هذا المحذور، وفي بعض الآثار القديمة: يا بني إسرائيل، لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا» (١).

ومعنى كلامه:

أن أَوْلُ مَراتِبِ تَعْظيمِ الحَقِّ -عز وجل-: تَعْظيمُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ المؤمِنَ يَعْرِفُ رَبَّهُ -عز وجل- بِرِسالَتِهِ التَّي أَرْسَلَ بِهَا رَسُولَه -صلى الله عليه وسلم- إِلَى كَافَّةِ النَّاس. وَمُقْتَضاهَا: الانْقِيادُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَإنْمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِتَعْظيمِ أَمْرِ اللهِ -عز وجل- واتِّباعِهِ، وَتَعْظيمِ نَهْيِهِ واجْتِنابِهِ؛ فَيَكُونُ تَعْظيمُ المؤْمِنِ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَنَهْيهِ: دَالًّا عَلَى تَعْظيمِهِ لِصَاحِبِ الأَمْرِ وَالنَّهي، وَيْكُونُ بِحَسَبِ هَذا التَّعْظيمِ مِنْ الأَبْرارِ المَشْهودِ لَهُم بِالإيمانِ وَالتَّصْديقِ وَصِحّةِ العَقيدَةِ وَالْبراءَةِ مِنْ النِّفَاقِ الأَكْبَرِ.

والأمر الثاني: الذي يستقيم به القلب، تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظمه ولا يعظم أمره ونهيه، قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)} [نوح: ١٣]، قالوا في تفسيرها: ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة! انْتَهى المُرادُ مِنْ كَلامِهِ -رحمه الله تَعَالَى- (٢).


(١) ما بين علامتي التنصيص من مدارج السالكين (٢/ ٤٩٧).
(٢) الوابل الصيب (ص ٩).

<<  <   >  >>