للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخير والصلاح لشأنهم كله في معاشهم ومعادهم، ظهرت تلك الحكم للمكلف أم لم تظهر، ولا يتوقف انقياد المسلم لأمر لله تعالى على معرفة الحكمة التشريعية من وراء الأمر والنهي؛ بل يكفيه العلم بأمر الله ونهيه، فيسارع إلى الاستجابة والانقياد والتسليم والقبول.

وفي صدد ذلك يقول ابن القيم -رحمه الله- في «الوابل»: «ومن علامات تعظيم الأمر والنهي: أن لا يحمل الأمرَ على عِلّةٍ تُضعِف الانقياد والتسليم لأمر الله -عز وجل-، بل يُسَلِّمُ لأمرِ الله تعالى وحُكمه، ممتثلًا ما أمر به، سواء ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه: حمله ذلك على مزيد الانقياد بالبذل والتسليم لأمر الله» (١).

ويقول ابن القيم في «المدارج»: «فإنه إذا لم يمتثل الأمر حتى تظهر له علته لم يكن منقادًا للأمر، وأقل درجاته أن يضعف انقياده له، وأيضًا فإنه إذا نظر إلى حكم العبادات والتكاليف مثلًا وجعل العلة فيها هي جمعية القلب والإقبال به على الله فقال: أنا أشتغل بالمقصود عن الوسيلة، فاشتغل بجمعيته وخلوته عن أوراد العبادات فعطلها وترك الانقياد بحمله الأمر على العلة التي أذهبت انقياده، وكل هذا من ترك تعظيم الأمر والنهي، وقد دخل من هذا الفساد على كثير من الطوائف ما لا يعلمه إلا الله، فما يدري ما أوهنت العلل الفاسدة من الانقياد إلا الله، فكم عطلت لله من أمر، وأباحت من نهي، وحرمت من مباح! وهي التي اتفقت كلمة السلف على ذمها .. » (٢).


(١) الوابل الصيب (ص ٣٥).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ٤٩٨).

<<  <   >  >>