للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هناك ذنب أعظم وأقبح منه، وليس هناك بعده ظلم أشد منه، فالشرك أعظم خطر يتهدد الإنسان ويجعله في مهب الريح عند غضب الله تعالى، والشرك ظلم عظيم، أمّا أنه ظلم فلأن فيه وضع الشيء في غير موضعه، وأما أنه «عظيم» فلما فيه من التسوية بين المنعم الحقيقي الله -سبحانه وتعالى-، وبين من لا نعمة له ولا عبادة وهي الأصنام والأوثان» (١). اهـ.

ويتابع ابن عاشور فيقول: «وَجُمْلَةُ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} [لقمان: ١٣] تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَتَهْوِيلٌ لِأَمْرِهِ، فَإِنَّهُ ظُلْمٌ لِحُقُوقِ الْخَالِقِ (٢)، وَظُلْمُ الْمَرْءِ


(١) التفسير القرآني (١٥/ ٥٦٥) بتصرف.
(٢) يقول الباحث:
الصواب: أن يُقال ظلم فيما بين العبد وبين الله تعالى: لأن الظلم إنما يقع من القوي على الضعيف، وهذا النقص والضعف محال في حق من له الكمال المطلق -سبحانه وتعالى-، قال -سبحانه وتعالى- في حق بني إسرائيل: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)} [البقرة: ٥٧]. … =
= يقول الألوسي: «ظلم الإنسان للّه تعالى لا يمكن وقوعه البتة» انتهى. روح المعاني (١/ ٢٦٥)
ويقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} [البقرة: ٥٧] قال: «نحن أعز من أن نُظلم» انتهى. تفسير ابن أبي حاتم (١/ ١١٦)
ويقول ابن القيم: «فَمَا ظَلَمَ الْعَبْدُ رَبَّهُ، وَلَكِنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَا ظَلَمَهُ رَبُّهُ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ نَفْسَهُ» انتهى. الجواب الكافي (ص ٧١).
وفي الحديث: «الدَّوَاوِينُ ثَلَاثَةٌ: فَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا.
فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، فَالْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ -عز وجل-، قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].
وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا قَطُّ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ.
وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَظَالِمُ الْعِبَادِ بَيْنَهُمُ، الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ». رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (٤/ ٦١٩)، وفي سنده ضعف، وله شاهد من حديث أنس عند أبي داود الطيالسي (٣/ ٥٧٩)، وقد حسنه به الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٢٧).

<<  <   >  >>