للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب أنه متلبس بالشرك كما قال سبحانه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠].

وحتى لا تلوث فطرته النقية السوية بلوثة الشرك ودرن الكفر، فالوصية من باب درهم وقاية خير من قنطار علاج، لا من باب كونه كان كافرًا، ولقمان قرن تحذير ولده من الشرك بعلته المقترنة به وحكمته اللازمة له كما بَيَّنَ ربنا ذلك بقوله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)} [لقمان: ١٣]، وكذلك فعل في كل وصاياه الواردة في السورة الكريمة، وفي هذا دلالة بينة على حكمة لقمان في وعظه وتعليمه وتربيته لولده.

ولا شك أن ذلك أدعى إلى قبول الولد نصح أبيه ووعظه وتعليمه والاستجابة الذاتية له.

ولا يخفى على كل مُرَبٍّ حكيم، أن التحذير من الشر قبل وقوعه من أنفع وأنجع الأساليب التربوية، إذ التربية بالتحذير من الشرك والأمر باجتنابه والبعد عنه قبل وقوعه أيسر من النهي عنه بعد التلبس به والوقوع والولوج فيه، إذ إنه قد لا يسلم من تلبس بالشرك أن تقتلع جذوره بالكلية، فقد تبقى بعض آثاره ورواسبه عالقة في النفس، وقد يشق عودتها للفطرة الأولى بيضاء نقية كما خلقها الله أول مرة، ولا شك أن الواقع يشهد لذلك.

وما حديث ذات أنواط عنا ببعيد فعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- إِلَى حُنَيْنٍ (١) -وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ- ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ


(١) غزوة حنين، وتسمى: غزوة أوطاس، موضعان بين مكة والطائف، فسميت الغزوة باسم مكانها، زاد المعاد: ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، = = مؤسسة الرسالة: (١٤١٨ هـ/ ١٩٩٨ م)، عدد الأجزاء: خمسة أجزاء.
وحنين: هو واد إلى جانب ذي المجاز قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلًا من جهة عرفات، هذا ما اعتمده الحافظ في الفتح وغيره، رشيد رضا/ تفسير المنار (١٠/ ٢١٧).
يقول الباحث: وحنين اليوم لا تعرف بهذا الاسم بل تعرف بالشرائع العليا، وهي منطقة قبيل مكة بقليل وأصبحت عامرة بالسكان والمنشآت.

<<  <   >  >>