للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبر: ضده العقوق وهو الإساءة إليهما والتفريط في حقوقهما الواجبة لهما. ويكون بر الوالدين: بحسن معاشرتهما بالمعروف وإنزالهما منزلتهما اللائقة بهما وبإكرامهما وبإظهار البشر والبشاشة لهما، وخفض الجناح والتذلل لهما تواضعًا ورحمة بهما واعترافًا بفضلهما وتوفية لحقهما وعدم إظهار أدنى التأفف منهما، وبصلتهما وصلة أهل ودهما، والإنفاق عليهما بكرم وسخاء نفس، من غير طمع مرغوب ولا عوض مطلوب.

وبعد وصية لقمان لولده بتأسيس المعتقد بالنهي عن الشرك المتضمن تحقيق التوحيد تأتي آيتا الوصية ببر الوالدين من الله تعالى تعترض ما بقي من وصاياه لولده لتؤكدا الوصية الأولى بالنهي عن الإشراك به سبحانه من جهة، ومن جهة أخرى لتبيِّنا أن الوصية بالوالدين من الله تعالى ابتداءً، فيها دلالة على شرف تلك الوصية وعلو شأنها وجلالة قدرها وعظم مكانتها عند ربنا جل في علاه.

يقول ابن عطية: «هَاتَانِ الْآيَتَانِ اعْتِرَاضٌ أَثْنَاءَ وَصِيَّةِ لُقْمَانَ، وَوَجَّهَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّهَا مِنْ مَعْنَى كَلَامِ لُقْمَانَ، وَمِمَّا قَصَدَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ; لِأَنَّ كَوْنَ الآيَتَيْنِ (١) فِي شَأْنِ سَعْدِ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- حَسَبَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ- يُضْعِفُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا -صلى الله عليه وسلم- الَهُ لُقْمَانُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْبَهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ أَثْنَاءَ المَوْعِظَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُفْسِدٍ لِلْأَوَّلِ مِنْهَا وَلَا لِلْآخَرِ، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَادَ إِلَى الْمَوْعِظَةِ عَلَى تَقْدِيرِ إِضْمَارِ: «وَقَالَ أَيْضًا لُقْمَانُ»، ثُمَّ اخْتَصَرَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ


(١) يعني: آية لقمان هذه {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: ١٥]، وآية العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ٨].

<<  <   >  >>