للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد التطواف والتأمل والنظر في قرابة عشرين مؤلفًا في التفسير تبين للباحث أن الأقرب أنها من كلام الله تبارك وتعالى، معترضة بين وصايا لقمان لابنه، وعليه الأكثرون، ومما رجح ذلك لدى الباحث أيضًا آية العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: ٨].

فهي وآيتا لقمان نزلتا في سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وقد سبق معنا في طيات البحث تعدد النازل والسبب واحد، وقد سبق معنا آنفًا قول كل من: ابن عطية الأندلسي، والزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي، وأبي السعود، والشوكاني، والألوسي.

والختام بقول القرطبي -رحمه الله- حيث يقول: «وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا فِي شَأْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- كَمَا تَقَدَّمَ فِي (الْعَنْكَبُوتِ)، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ» (١). اهـ. والله أعلم.

وفي بيان المعنى العام لتك الوصية يقول ابن سعدي: «وَلَمَّا أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، بِتَرْكِ الشِّرْكِ الَّذِي مِنْ لَوَازِمِهِ الْقِيَامُ بِالتَّوْحِيدِ، أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} [العنكبون: ٨] أَيْ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ، وَجَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً عِنْدَهُ، سَنَسْأَلُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا، وَهَلْ حَفِظَهَا أَمْ لَا؟ فَوَصَّيْنَاهُ بِوَالِدَيْهِ وَقُلْنَا لَهُ: {اشْكُرْ لِي} [لقمان: ١٤] بِالْقِيَامِ بِعُبُودِيَّتِي، وَأَدَاءِ حُقُوقِي، وَأَنْ لَا تَسْتَعِينَ بِنِعَمِي عَلَى مَعْصِيَتِي. {وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالْكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَالْفِعْلِ الْجَمِيلِ، وَالتَّوَاضُعِ لَهُمَا، وَإِكْرَامِهِمَا وَإِجْلَالِهِمَا، وَالْقِيَامِ بِمَؤُونَتِهِمَا وَاجْتِنَابِ


(١) القرطبي (١٤/ ٦٠).

<<  <   >  >>