للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: «وهذا دعاء مؤكد على من قصَّر في بر أبويه، ويحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برهما.

وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأن من ألصق أنفه -الذي هو أشرف أعضاء الوجه- بالتراب -الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء- فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر -وإن كان برهما واجبًا على كل حال- إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برهما؛ لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك» (١).

وقوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤].

يأمر الله تعالى بعد ذلك بشكره سبحانه ويقرنه بشكر الوالدين، وفي ذلك توكيد بعد توكيد لبيان مكانة وقدر الوالدين واعترافًا وإقرارًا بحقهما ووجوب برهما والإحسان إليهما.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا يُقْبَلُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا:

أَوَّلُهَا: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣]، فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّلَاةُ.


(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٥١٨).

<<  <   >  >>