للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبعد تلك الوصايا جميعًا يأمر لقمان ابنه بالتواضع وينهاه عن صفة الكبر والتعالي على الناس، فكيف يدعوهم وهو متكبر عليهم، فالكبر مذموم على كل حال ومن كل أحد، فكيف بمن يدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمن يفعل ذلك لا يجد قبولًا لدعوته عند الناس، ولا أثرًا لتعليمه في نفوسهم، ولا ثمرة مرجوة ولا صدى فعالًا لأمره ونهيه، وقد سبق في موعظة لقمان قوله: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)} [لقمان: ١٧]؛ لأن هذا الأمر من مهام النبيين والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، فالتعبير بـ (عزم الأمور) فيه معنى التشبه بأولي العزم، ولا شك أن التشبه بالكرام فلاح.

يقول البقاعي في ذلك: «الْمَطْلُوبُ فِي الْأَمْر والنهي اللينُ لا الْفَظَاظَةُ وَالْغِلْظَةُ الْحَامِلَانِ عَلَى النُّفُور» (١).

والكبر كما يقول الغزالي هو: «استعظام النفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير» (٢).

ومِن علامات الكِبْر والتعالي على الناس: تصْعِيرُ الخدِّ احتقارًا وتنقصًا لهم.

ويجلي الطبري هذا المعنى فيقول: «وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَمَّنْ كَلَّمْتَهُ تَكَبُّرًا وَاسْتِحْقَارًا لِمَنْ تُكَلِّمُهُ، وَأَصْلُ (الصُّعْرِ) دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أَعْنَاقِهَا أَوْ رُؤوسِهَا حَتَّى تَلْفِتَ أَعْنَاقَهَا عَنْ رُؤوسِهَا، فَيُشَبَّهُ بِهِ الرَّجُلُ الْمُتَكَبِّرُ عَلَى النَّاسِ (٣).


(١) نظم الدرر (١٥/ ١٧٧).
(٢) إحياء علوم الدين (جـ ٣) (ص ٤٠).
(٣) الطبري (٢٠/ ١٤٤).

<<  <   >  >>