للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي -رحمه الله-: «المشي على البطن للحيات والحوت، ونحوه من الدود وغيره، وعلى الرجلين للإنسان والطير إذا مشى، والأربع لسائر الحيوان» (١).

فالإنسان خُلِقَ في أحسن تقويم، وقد جعل الله مشيه على رجلين يمشي مشيًا سويًّا، ولم يجعل مشيه على بطنه كالثعابين، ولم يجعل مشيه على أربع كالبهائم وسائر العجماوات، أفبعد هذا التكريم يليق بعاقل أن يتخايل ويتمايل ويتبختر ويتعالى في مشيته ويتكبر على عباده.

وإن كان المشي من نعم الله تعالى على خلقه؛ فهو كذلك آية عظيمة من آياته الكبرى الباهرة التي تدل على قدرته في عظم تدبير شؤون خلقه كل بما يناسبه فسبحانه: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه: ٥٠].

ومن دلائل قدرته سبحانه أنه يحشر الكفار يوم القيامة على وجوههم كما قال سبحانه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: ٩٧].

قال ابن سعدي -رحمه الله-: «يحشرهم الله على وجوههم ـخزيًاـ عميًا وبكمًا، لا يبصرون ولا ينطقون» (٢) انتهى.

ومما يدل على ذلك أيضًا من السنة ما ورد في باب قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)} [الفرقان: ٣٤].

فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة! قال: «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة»؟!


(١) تفسير القرطبي (١٢/ ٢٩٢).
(٢) ابن سعدي (ص ٤٦٧).

<<  <   >  >>