للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهة أن أهل السنة يستدلون بالأحاديث الضعيفة في العقائد]

وهنا وقفة لابد من بيانها، ألا وهي: أن مثل هذا الموقف الذي مر معنا الآن -وهو أن ابن قدامة استشهد بحديث تكلم عنه العلماء، وقالوا ضعيف -قد يدخل منه بعض المخالفين لأهل السنة ويقول: إن كثيراً من أصحاب كتب السنة التي تروى بالأسانيد يذكرون فيها أحاديث صحيحة، ويذكرون أحياناً أحاديث ضعيفة، فكيف تذكر هذه الأحاديث في باب العقائد؟ وكيف يتساهل في هذا؟ والجواب عن ذلك من وجوه: الوجه الأول: أن هؤلاء العلماء لم يثبتوا هذه الصفة أو تلك من حديث ضعيف، وإنما يثبتونها من الأحاديث الصحيحة أولاً، فما أوردوه من حديث ضعيف إن تقوى فبها ونعمت، وإن لم يتقو فإن الصفة المقصودة ثابتة؛ لأن الدليل الصحيح دل عليها، وهنا ليس إثبات العلو لله سبحانه وتعالى مأخوذاً من هذا الحديث الذي معنا، بل هو ثابت بأحاديث أخرى كثيرة وعديدة جداً؛ بل وهو ثابت بالأدلة من القرآن قبل ذلك.

الوجه الثاني: أن العلماء وإن أوردوا تلك الأحاديث وهي ضعيفة فإنهم يوردونها بالأسانيد، وإيرادها بالأسانيد يجعل العهدة على القارئ والمطلع، فلو جاء وقال بعد إيراده: هذا حديث صحيح وأثبته، فنقول له: كيف تصححه وهو ضعيف؟ لكن إذا أورده بالإسناد فحينئذٍ من أسند فقد أعذر، فإذا كنت لا تستطيع الحكم على السند فاسأل عنه العلماء: هل هذا الحديث إسناده صحيح أو غير صحيح؟ وابحث عن ذلك؛ لكن ما دام المؤلف أورده وسكت عنه فقد جعل العهدة على القارئ وعلى المطلع، ولهذا تجد أن بعض العلماء -كـ البخاري ومسلم - قال: أنا لا أورد في هذا الكتاب إلا ما هو صحيح.

وفعلاً ما أوردا إلا ما هو صحيح، لكن غيرهما كـ أبي داود أو الترمذي أو ابن ماجة أو الإمام أحمد لم يقل أحد منهم: أنا لا أورد إلا ما هو صحيح.

وإنما يورد أحدهم الأحاديث، وأحياناً يتكلم عليها، ويعلق عليها، وأحياناً يسكت عنها، والعهدة على من يقرأ ذلك.

وكذلك أيضاً كتب السنة، كالسنة لـ ابن أبي عاصم أو السنة للالكائي أو غيرهما، فهذه الكتب وإن وردت فيها روايات ضعيفة إلا أنهم أوردوها بالأسانيد، فالعهدة على القارئ.

الوجه الثالث: أن إيرادها وإن كانت من طرق ضعيفة فيه فائدة كبرى، هذه الفائدة هي: أن هذه الرواية قد تتقوى بغيرها، وقد تقوي غيرها، فأحياناً تكون هذه الرواية ضعيفة، لكن في كتاب آخر من كتب السنة أو من كتب الحديث تجد نفس هذا الحديث ورد من طريق آخر، فإذا جمعنا ذلك الطريق إلى هذا الطريق تبين منه أنه حديث ثابت؛ وقد يكون هذا الحديث روي من طريق فيه رجل ضعيف، ويتبين في الرواية الأخرى أنه جاء من طريق آخر عن غير هذا الراوي الضعيف، فيتقوى، وكثير من الأحاديث إذا جُمعت طرقها وتصفحها العالم النحرير في مصطلح الحديث يتبين له أنها ترتفع وتتقوى، وتصل إلى درجة الحسن أو تصل إلى درجة الصحيح.

وقوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك) ، هذا الحديث كما أشرنا قبل قليل وإن كان ضعيفاً إلا أنه يوافق الأحاديث الدالة على أن الله سبحانه وتعالى في السماء.

وقوله: (الذي في السماء) أي: في العلو.

وقوله: (تقدس اسمك) أي: تنزه اسمك يا إلهنا!

<<  <  ج: ص:  >  >>