للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فعل الله عز وجل كله عدل ولا يجوز الاعتراض عليه]

السؤال

إذا كان الله يعلم أنه سيخلق الخلق، وسيخلق آدم، ثم سيسكنه الجنة، ثم سيخرجه منها بسبب إبليس، ثم سيهبطهم إلى الأرض، ومنهم صائر إلى الجنة، ومنهم صائر إلى النار، فلماذا خلقهم إذاً؟ وهل يقال: إن هذا من عمل الشيطان فاجتنبه، أم يقال: إن هذا لحكمة يريدها الله عز وجل؟

الجواب

هذا سؤال يرد على كل شيء؛ لأنه إذا علم الله ما العباد فاعلون فلماذا خلقهم؟ ولماذا كلفهم؟ بل لماذا يحاسبهم يوم القيامة؟ هذا كله اعتراض على الله سبحانه وتعالى، والله تبارك وتعالى لا يقيم الحجة على عباده بمقتضى علمه فقط، وإنما يقيم الحجة على العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولهذا إذا قيل: إذا علم الله سبحانه وتعالى أعمال العباد وأحصاها، فلماذا يقفون بين يدي الله للحساب؟ فيقال: لله حكمة في أن يقرر كل عبد بذنوبه؛ حتى يكون من يدخل الجنة يعلم أنه أخطأ وأذنب، وأنه دخل الجنة برحمة الله، ومن استحق العذاب يدخل النار، ويعلم أنه استحقها بسبب ذنوبه التي أذنبها؛ ولهذا يقرره الله سبحانه وتعالى بذنوبه واحداً واحداً، ويكلم كل واحد كلاماً خاصاً به، وهذا كله من إظهار العدل، وإلا فالسؤال الأكبر: ما هي حاجة الله أصلاً إلى الخلق؟ إن الله غير محتاج إلى الخلق، ولو شاء لجعلنا كلنا أغنياء، أصحاء، لا نعصي أبداً، لو شاء لجعلنا بخلاف ذلك.

وقد ورد في الحديث الصحيح: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فيما عندي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك مما عندي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) ، فإذا أدخلت الإبرة في البحر فإنها لا تنقصه شيئاً، وكذلك لو كل الخلق سألوا الله عز وجل فأعطى كل إنسان مسألته لا ينقص ذلك من ملك الله سبحانه شيئاً.

إذاً: خلق الله العباد، وتفاوت أعمالهم وألوانهم وأرزاقهم وآجالهم لله سبحانه وتعالى فيها حكمة، ونحن نلمس شيئاً من هذه الحكم، ولو لم يكن في ذلك إلا قيام سوق العبودية لله وحده لا شريك له، بأن يعبده العابدون، ويتوكل عليه المتوكلون، ويطلب رحمته المسترحمون، ويتوجه إليهم سبحانه وتعالى المحتاجون المضطرون، ويخافه الخائف، ويرجوه الراجي، كل هذه الأمور من أمور العبودية الكبار العظام لا تتحقق إلا بما كان من أمر الله سبحانه وتعالى وقدره، وهو وجود الناس وابتلاؤهم وامتحانهم، ووجود الخير ووجود الشر، ووجود الكفر، ووجود الطاعات والإيمان إلى آخره، والله سبحانه وتعالى أقام الحجة على عباده، وهذا هو أهم شيء، فلا تسأل ربك بلمَ؛ لأن هذا السؤال إنما هو سؤال عن سر القدر، أي: سر تقدير الله، فلو جاء واحد وقال: لماذا الناس كلهم فيهم غني وفيهم فقير؟ فهذا سؤال عن سر القدر، فنقول: هكذا أراد بإرادته، ولو شاء الله سبحانه وتعالى لجعل الناس كلهم أغنياء.

فالمهم أن الحجة قد قامت عليك أيها العبد! فقد أعطاك الله عقلاً، وأعطاك الله إرادة، وأعطاك الله قدرة، وأرسل لك الرسل، وأنزل عليك الكتب، وبين لك الطريق، وأمرك ونهاك، وقال: إن عملت خيراً فاحمد الله، وإن عملت شراً فلا تلومن إلا نفسك.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>