ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى إخباراً عن عيسى عليه السلام أنه قال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:١١٦]] .
وهذا في إثبات النفس لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:٢٨] وورد ذلك أيضاً في أحاديث كثيرة جداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله صلى الله عليه وسلم:(سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ، وأيضاً ورد في الحديث القدسي الصحيح الآخر المشهور:(يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا) ، فهذه الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دالة على إثبات هذه الصفة، وأهل السنة والجماعة يثبتونها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، لكن ينبغي ألا يفهم منها -وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - أن لله نفساً منفصلة عن الله سبحانه وتعالى، كما يقال بالنسبة للمخلوق: إن له جسداً، وله روحاً تسمى نفساً، فيقولون: خرجت نفسه، يعني: خرجت روحه، فقول الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:٢٨] ، وقوله:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة:١١٦] لا يفهم منه أن لله نفساً منفصلة عنه، وهذا أيضاً هو الذي تدل عليه النصوص؛ فإن النفس هنا تدل على الصفة وعلى ذات الله سبحانه وتعالى التي لا تشبه ذوات المخلوقين؛ فقوله سبحانه وتعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:٢٨] أي: يحذركم ذاته المتصفة بصفاته، وليس هناك صفة منفصلة اسمها النفس، كما قد يتوهم البعض.