هذه الصفة ومثلها صفة المحبة وغيرها يثبتها أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى دون أن يتأولوها، ومن تأولها بأن المقصود بالرضا إرادة الإنعام، أو بالمحبة إرادة الإنعام ونحو ذلك فهذا تأويل باطل؛ لأنه لم يدل عليه دليل، وأولئك تأولوا مثل هذه الصفة خوفاً من التشبيه؛ لأنك إذا قلت لأحدهم: لماذا لا تثبت لله صفة الرضا أو صفة المحبة؟ قال: لا أثبتها خوفاً من التشبيه! لأن الرضا أو المحبة هي صفة في المخلوق تدل على نوع من ميل القلب ونحو ذلك، وهذا الميل والانكسار إنما يليق بالمخلوق، والله سبحانه وتعالى منزه عنها! فنقول له: ونحن ننزه الله عن صفات المخلوقين، لكن ماذا تقول عن هذه الآية، قال: أقول: الرضا إرادة الثواب، والمحبة إرادة الإنعام، ونحو ذلك.
فنقول له: أنت فررت من شيء فوقعت في مثله تماماً؛ لأنك قلت: إرادة الإنعام، فأثبت لله صفة الإرادة، والإرادة هي أيضاً ميل القلب، فإذا قيل: فلان من البشر يريد هذا الشيء فالمعنى أن قلبه يميل إليه، وإذا قيل: يريد أن يصنع شيئاً، أي: أن نفسه تميل إليه، وهذه من صفات المخلوقين؛ فيلزمك فيما فررت إليه نظير ما لزمك فيما فررت منه، فأنت فررت من إثبات الرضا والمحبة فيلزمك في الإرادة ما لزمك في المحبة؛ فإن قلت: أنا أثبت الصفات السبع -مثلاً- ومنها صفة الإرادة، وقولي: إرادة الإنعام أثبتها لله كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين، نقول: ونحن نقول لك أيضاً في صفة الرضا وصفة المحبة: نحن نثبتها لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين.
وهكذا كل من تأول صفة من صفات الله تعالى فإنه يلزمه فيما فر إليه نظير ما لزمه فيما فر منه، ولا يمكن أن ينفك عنها أي متأول أبداً؛ حتى المعتزلة الذين نفوا عن الله سبحانه وتعالى جميع الصفات خوفاً من تعدد الذوات؛ حيث قالوا: ننفي عن الله جميع الصفات حتى نوحد الله؛ حتى لا نقع فيما قاله النصارى: الأب والابن وروح القدس إلى آخره.
فنقول للمعتزلة: أنتم تنفون هذا عن الله من باب التوحيد؟ فسيقولون: نعم، فنقول لهم: أنتم تقولون: الله موجود أو غير موجود؟ فإن قالوا: الله غير موجود، فقد انتهى الكلام معهم؛ لأنهم ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى، وإن قالوا: الله موجود، فسنقول لهم: والمخلوق موجود؛ فإذا كنتم تفرون من تشبيه الله بخلقه وتقولون إننا ننفي عن الله الصفات حتى لا نجعل مع الله غيره فأنتم ملزمون كذلك في صفة الوجود لله سبحانه وتعالى؛ فإنه تبارك وتعالى موجود، فإن قالوا: نحن نقول: الله موجود، لكن وجود الله ليس كوجود المخلوقين؛ فالمخلوق وجد من عدم، والمخلوق غير واجب، بل ممكن، والله سبحانه وتعالى وجوده يليق به، فهو وجود واجب له سبحانه وتعالى لا يقبل العدم، فنقول لهم: إذا قلتم: لله وجود لا يشبه وجود المخلوقين كذلك أيضاً بقية الأسماء والصفات، فلله أيضاً إرادة لا تشبه إرادة المخلوقين، وله علم لا يشبه علم المخلوقين، وله سمع لا يشبه سمع المخلوقين، وهكذا؛ وكل من اتخذ باباً من باب التأويل فلابد أن يتناقض قوله.