[الرد على المنكرين والمأولين لصفة الاستواء]
والمخالفون لأهل السنة والجماعة حرفوا وأولوا فقالوا: صفة الاستواء يلزم منها مشابهة الله للمخلوقين، فيلزم منها أن يكون الله سبحانه وتعالى شبيهاً بالمخلوق إذا جلس على كرسي أو نحو ذلك! وأما قول الله تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ، فقالوا: (استوى) بمعنى استولى! ولكن هل ورد في اللغة العربية استوى بمعنى: استولى؟
الجواب
ورد في اللغة العربية استوى بمعنى: صعد، واستوى بمعنى: اشتد، كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص:١٤] ، أي: اكتمل شبابه، لكن ليس في اللغة العربية استوى بمعنى: استولى.
فلما ضاقت بالمتكلمين المضايق سمعوا -ويقول بعض العلماء: إنهم اخترعوا- بيتاً من الشعر، وهو: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق وقالوا: إن بشراً هذا ملك العراق، فمعنى قوله: (قد استوى بشر على العراق) أنه ملك العراق، فيأتي الاستواء بمعنى الملك.
وهذا التأويل الذي تأولوه تأويل عجيب! فإذا كان لفظ الاستواء استواء الله على العرش ورد في القرآن العظيم في سبعة مواضع، فلماذا لم يأت موضع واحد يبين فيه المراد، فيأتي استوى بمعنى استولى؟ ثم نقول ثانية: إن تأويلكم استوى بمعنى استولى هو تأويل بعيد ومخالف لما تقتضيه اللغة العربية؛ لأنه لم يرد في اللغة العربية هذا بهذا اللفظ.
أما بيت الشعر الذي استشهدتم به فمن قاله؟! وأين يوجد؟! وإلى أي عربي ينسب؟! لو فتشت عن هذا لقالوا: قيل، ويقال، ونقل هذا البيت أول واحد، وتناقله من بعده! ونقول: حتى ولو قاله أحد العرب أو أحد الشعراء فإنه لا حجة بقول شاعر في مقابل أدلة كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم نقول ثالثة: إن قولكم: استوى بمعنى استولى، لا يصح من سياق الآية؛ لأنه لا يقال: استولى إلا إذا كان هناك مغالب لهذا الإنسان، فقوله: (استوى بشر على العراق) ، يعني: استولى على العراق، ومعنى هذا أنه كان قبله حاكم آخر، فغلبه واستوى على العراق واستولى عليه.
وقولكم: إن قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] ، يعني: استولى على العرش، فهل العرش كان قبل ذلك مملوكاً لغير الله ثم إن الله ملكه؟! وهل يمكن أن يقول هذا أحد؟! طبعاً لا يمكن أن يقول هذا أحد، فقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد:٤] لو قيل: إن المعنى: ثم استولى، لأدى ذلك إلى أن يكون هناك مغالب لله سبحانه وتعالى فغلبه الله تبارك وتعالى وتقدس واستولى على هذا العرش؛ وسواء قيل: العرش مخلوق معين، أو قيل: العرش هو الملك، كما يدعي هؤلاء.
وهذه الأمور وغيرها قد فصلها العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى) ؛ حيث نقض هذا التأويل من أكثر من عشرة أوجه، وبهذه الأوجه وغيرها يتبين أن تأويل هؤلاء استوى بمعنى استولى، إنما هو تأويل باطل وزيادة زادوها، ولهذا شبهها بعض العلماء بزيادة بني إسرائيل من اليهود حين قال الله لهم: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة:٥٨] ، أي: راكعين، وأن يقولوا: حطة، أي: حط عنا خطايانا، فعكس هؤلاء اليهود الأمر الإلهي، فدخلوا على أستاههم من خلفهم وهم يقولون: حنطة في شعير! فاليهود زادوا النون في حطة، والمتكلمون زادوا اللام في استوى، فقالوا: استولى، وهذا يدل على أن المنبعين متقاربان، نسأل الله السلامة والعافية! وكل هذا الذي قالوه تحريف للكتاب وتأويل له، وبعد عما كان عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى.