ثم إن المصنف رحمه الله تعالى قال:[وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته، ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت.
فقال: لبيك لبيك ولبيك، أسمع صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك.
فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى] .
هذا الأثر إسرائيلي ضعيف لا يؤخذ به، رواه وهب بن منبه ووهب بن منبه معروف بالروايات الإسرائيلية، لهذا فإن هذا المقطع من قصة موسى أورده السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) في تفسير سورة (طه) الآية العاشرة، حيث ذكر أثراً طويلاً جداً بلغ صفحات، وذكر منه هذا، وقال السيوطي: أخرجه أحمد في (الزهد) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه.
فإذاً: هذا الأثر رواه وهب بن منبه، فهو أثر إسرائيلي، وعلى هذا فلا يعتد به، لهذا فالأولى بمثل هذا الأثر أن يطرح ولا يؤخذ به، والقضية التي أشار إليها ابن قدامة رحمه الله تعالى قد وردت لها أدلة أخرى في الأحاديث الصحيحة، فمثل هذه الآثار الإسرائيلية لا يؤخذ بها، بل إنني أرى أن متنها فيه نكارة؛ لأنه قال: فأين أنت، قال:(أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك) إلى آخره، وهذا الكلام كلام غير صحيح وغير دقيق لهذا، فما سبق أن ذكرناه كافٍ في بيان ضعف هذه الرواية، وأنها رواية إسرائيلية.