للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كل فرقة تسمت بغير الإسلام والسنة فهي مبتدعة]

ثم قال: [وكل متسمٍ بغير الإسلام والسنة مبتدع] .

قوله: (بغير بالإسلام) ، مثل ذلك الذي لا ينسب نفسه إلى الإسلام، أو لا ينسب نفسه إلى السنة، وإنما أتى ببدعة، فنسب نفسه إليها.

قال: [كالرافضة] .

والرافضة لهم أصول معروفة، وكثير منها أصول كفرية، تخرجهم عن دائرة الإسلام، ولو لم يكن من ذلك إلا اعتقادهم العصمة في الأئمة، وأنهم يعلمون المغيبات، وعبادتهم لأئمتهم والحج إلى قبورهم؛ لكفى، فإنهم يعبدونهم ويدعونهم من دون الله تعالى.

وكذلك اعتقادهم بردة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولو لم يكن إلا ذلك لكفى دليلاً على ردتهم وخروجهم عن دائرة الإسلام، ولهذا فإننا نقول: من كان من الرافضة يقول بهذه الأصول فهو مرتد خارج عن دائرة الإسلام.

ثم قال: [والجهمية] .

وهم أتباع الجهم بن صفوان، الذي قتله سلم بن أحوز بعد أن ظهرت بدعته، فهو من المبتدعة الذين أقيم فيهم حكم الله.

والجهمية لهم ضلالات كثيرة، ومن أعظم ضلالاتهم إنكار الأسماء والصفات ومنها القول بالجبر، أي أن العباد مجبورون، وأن العبد لا قدرة له ولا إرادة، وإنما يتحرك بأفعاله كما تتحرك الأوراق، فأوراق الشجر إنما تحركها الريح.

ومن ضلالاتهم أن الإيمان هو المعرفة، فعندهم أن من عرف الله فهو مؤمن، وهذا مذهب الإرجاء، وهو مذهب خطير، ففرعون كان يعرف الله، وإبليس كان يعرف الله.

إذاً: عندهم أن فرعون وإبليس وغيرهما من الملاحدة والطواغيت الذين عرفوا الله مؤمنون، وهذا خطير جداً، ولهذا صار الجهمية من غلاة المرجئة، فقد اجتمعت في الجهمية ثلاث جيمات: جيم التجهم الذي هو نفي الصفات، وجيم الإرجاء، وجيم الجبر، فهم جبرية، جهمية، مرجئة.

ثم قال: [والخوارج] .

والخوارج هم المارقة الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وأجمع المسلمون على قتالهم، وأهم ما يميزهم في عقيدتهم تكفيرهم لمرتكب الكبيرة، فكل من ارتكب كبيرة فهو عندهم كافر في الدنيا مخلد في نار جهنم، ولهذا فإنهم كفروا عثمان في آخر خلافته، وكفروا علياً، وكفروا الزبير، وعائشة، وطلحة، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهؤلاء هم الخوارج المارقون الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووردت فيهم أحاديث كثيرة.

ثم قال: [والقدرية] .

والقدرية هم نفاة القدر، أي: الذين نفوا عن الله القدر، وقالوا إن الإنسان مستقل عن الله سبحانه وتعالى في الإرادة، ومستقل بفعله، فهو خالق الإرادة، وهؤلاء هم المعتزلة القدرية، وقد ورد في الحديث الذي يحسنه بعض العلماء: (القدرية هم مجوس هذه الأمة) سموا وشبهوا بالمجوس لأنهم يقولون: إن العبد خالق لفعله.

ثم قال: [والمرجئة] .

وهؤلاء المرجئة هم الذين يؤخرون الأعمال عن الإيمان، فلا يدخلونها، فكل من لم يدخل الأعمال في مسمى الإيمان فهو مرجئ.

وهؤلاء المرجئة على درجات: فغلاتهم هم الجهمية، وقد سبق بيان عقيدتهم؛ لأنهم يقولون: الإيمان هو المعرفة فقط، ومن المرجئة أيضاً الكرامية الذين يقولون إن الإيمان قول اللسان فقط، فكل من قال بلسانه فهو مؤمن، لكن يقولون: إن المنافق الذي لا يوافق قلبه لسانه يكون يوم القيامة مخلداً في النار.

ومن المرجئة أيضاً الأشعرية والماتريدية الذين يقولون إن الإيمان هو التصديق فقط.

ومن المرجئة أيضاً مرجئة الفقهاء رحمهم الله تعالى الذين يقولون: إن الإيمان قول وتصديق، فهؤلاء الطوائف كلهم مرجئة؛ لأنهم لم يدخلوا العمل في مسمى الإيمان.

ثم قال: [والمعتزلة] .

والمعتزلة هم الذين بدأت حركتهم باعتزال واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري رحمه الله تعالى، وذلك لما جعلوا النقاش حول مرتكب الكبيرة، فقال واصل بن عطاء: لا أقول هو مؤمن، ولا أقول هو كافر، بل هو في منزلة بينهما، فاعتزل حلقة الحسن البصري، فسموا معتزلة.

والمعتزلة اشتهروا بأصولهم الخمسة: الأول: العدل، وهو إنكار القدر، أي: إنكار المرتبة الثالثة والرابعة من مراتب القدر، وهما مرتبة المشيئة، ومرتبة الخلق، ونسبتهما إلى العبد.

الثاني: التوحيد، وهو نفيهم لجميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى، فهم يثبتون الأسماء وينفون الصفات، لكن إثباتهم للأسماء لم ينفعهم؛ لأنهم انقسموا حيالها إلى قسمين: قسم منهم قال: إنها أعلام محضة لا تدل على معانٍ ولا صفات، والقسم الثاني منهم قال: إن الله عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، فكان مؤدى قولهم نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى.

الثالث من أصولهم: القول بمنزلة بين المنزلتين في مرتكب الكبيرة: أي أنه في الدنيا لا مؤمن ولا كافر.

الرابع: إنفاذ الوعيد: وهو أن مات من أهل الكبائر من غير توبة فلابد أن ينفذ فيه الوعيد فيكون مخلداً في نار جهنم.

الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وربطوا بالأصل الخامس الخروج على أئمة الجور، وقالوا: إنه يجوز الخروج على الإمام إذا كان جائراً.

هذه أصول المعتزلة الخمسة التي اشتهروا بها.

وأضافوا إلى ذلك أموراً كثيرة، منها: إنكار الشفاعة، وقد سبق بيان ذلك، ومنها: إنكار رؤية الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وقد سبق أيضاً الإشارة إلى ذلك.

ثم قال: [والكرامية] .

والكرامية هم أتباع محمد بن سعيد بن كرام، وابن كرام هذا أشهر أقواله: إثبات الصفات مع الغلو أحياناً في إثباتها، وأيضاً من أقواله: الإرجاء في باب الإيمان، فإنه يقول: إن الإيمان هو قول اللسان فقط، لكنه قال: إن المنافق الذي يقول بلسانه وإن قلنا عنه في الدنيا إنه مؤمن، لكنه إذا مات فهو يوم القيامة مخلد في النار، فوافق أهل السنة والجماعة في الحكم عليه على الظاهر.

ثم قال المصنف: [والكلابية] .

والكلابية هم أتباع عبد الله بن سعيد بن كلاب، وأشهر ما اشتهر عن ابن كلاب هو أنه نفى بعض الصفات وأثبت بعضها، وقبل ابن كلاب كان الناس على طريقتين: المعتزلة ينكرون جميع الصفات، وأهل السنة يثبتون جميع الصفات، فجاء عبد الله بن سعيد بن كلاب بشبه عقلية وردت عليه، فأثبت لله بعض الصفات، مثل: صفة العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، ومثل الوجه واليدين، والعينين وغير ذلك، ونفى عن الله ما يتعلق بمشيئته وإرادته، مثل: الاستواء، فإنه أثبت لله صفة الاستواء من باب أنها صفة علو لله سبحانه وتعالى، لكن لم يثبتها كصفة من صفات الفعل، فهو يثبت الاستواء لله سبحانه وتعالى، وينكر على من يتأوله بالاستيلاء؛ لأنه يثبت العلو لله سبحانه وتعالى.

وكذلك أيضاً يتأول بعض صفات الله سبحانه وتعالى، كصفة النزول، وصفة الضحك، والعجب، والرحمة، والمحبة وغير ذلك، أي أنه في الجملة يتأول الصفات الفعلية، ويثبت لله الصفات الذاتية، وسار على منهاجه في باب الصفات الأشاعرة والماتريدية، فهم ساروا على خطاه، وإن كان متأخرو الأشاعرة ومتأخرو الماتريدية قد زادوا عنه بعداً عن مذهب السلف الصالح في باب الصفات.

ثم قال المصنف: [ونظائرهم] ، فهذه فرق الضلال، وطوائف البدع، أعاذنا الله منها؛ لكن طوائف الضلال متفاوتة، فمنها طوائف قد تصل أحياناً فيها البدع إلى الكفر، ومنها ما قد تكون بدعاً دون الكفر، لكن نحن ننكر البدع، ونتبرأ من هذه كلها، ولا نسمي أنفسنا بهذه التسميات، وإنما نربط أنفسنا بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>