وجوب إقامة الحج والجهاد مع الإمام وإن كان فاجراً
ثم انتقل المصنف رحمه الله تعالى إلى قضية أخرى تتعلق بالإيمان، فقال رحمه الله: [ونرى الحج والجهاد ماضيين مع كل إمام، براً كان أو فاجراً] .
وهذا أيضاً تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة: أن السمع والطاعة واجبة للإمام الشرعي سواء كان براً أو فاسقاً، وطاعته إنما هي في المعروف، وفي غير معصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، فتجب الطاعة له ولو كان فاجراً، أي: ولو كان مرتكباً لكبيرة، كان كان ظالماً يضرب هذا ويفعل مع هذا بعض الأفاعيل، هذه الأمور التي هي من قبيل الظلم والفسق والفجور لا ترفع طاعة هذا الإمام عند أهل السنة والجماعة، بل توجبها، وهذا قد دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) .
ولما ذكر عليه الصلاة والسلام الأمراء الذين يؤثرون أنفسهم بالأموال ونحوها، وأحياناً يأمرون بالمنكرات، قال بعض الصحابة: (يا رسول الله! أفلا نناجزهم؟ -وفي بعض الروايات: أفلا نقاتلهم- فقال صلى الله عليه وسلم: لا، حتى تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) .
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل له: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا) ، فدل هذا على أن الإمام تجب له السمع والطاعة، ولا يجوز الخروج عليه إلا أن يترك الصلاة، أو يأمر بترك الصلاة، أو أن يأتي بكفر بواح ظاهر عندنا من الله سبحانه وتعالى فيه برهان، وهذا هو منهج جماهير أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى.
ومن ثمَّ فإن الحج والجهاد أيضاً عند أهل السنة والجماعة ماضيان مع الإمام، سواء تولى الإمامة باختيار المسلمين له، أو باستخلاف من قبله، وحالة ثالثة ذكرها كثير من السلف: إذا تسلط بالقوة، وحكم بين الأمة بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فالسمع والطاعة واجبة له، ففي هذه الحالات الثلاث يجب له السمع والطاعة، بشرط أن يحكم بين الأمة بالكتاب والسنة.
وكذلك أيضاً يجب الحج معه، فلا يأتي قائل ويقول: هذا فاجر، وعلى هذا فنحن هذه السنة لا نحج، فنقول: بل إذا قاد حجيج المسلمين فيجب الحج معه، وقد كان الخلفاء من قديم الزمان يقودون الحج، أو يرسلون من ينوب عنهم في قيادة الحج، وهذا كان موجوداً في زمن الدولة الأموية والعباسية، والمؤرخون في الحوليات إذا وصلوا إلى شهر الحج قالوا: وحج بالناس فلان، فيذكرون من حج بالناس، سواء كان الخليفة أو من ولاه أو غير ذلك.
وكذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، ولهذا قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (لابد لهذه الأمة من إمامة برة أو فاجرة.
قالوا: يا أمير المؤمنين! قد عرفنا البرة فما الفاجرة؟ قال رضي الله عنه وأرضاه: الفاجرة حتى تحمي البيضة، وتقيم الحق، وتقيم الحدود) .
إذاً: الجهاد لا بد منه حتى مع الفاجر، فما دام مجاهداً للكفار وللمشركين فيجب أن يكون المؤمنون معه مطيعين مجاهدين في سبيل الله، وكل هذه الأمور إنما هي ما دام يحكم بالكتاب والسنة، وما دام لم ينقض ذلك بكفر بواح ظاهر عندنا من الله سبحانه وتعالى فيه برهان.