ثم قال رحمه الله تعالى:[وقال عبد الله بن محمد الأذرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها! قال: فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت؟! فقال الرجل: فإني أقول: قد علموها؛ قال: أفوسعهم ألا يتكلموا به، ولا يدعوا الناس إليه أو لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم، قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت؟! فانقطع الرجل، فقال الخليفة -وكان حاضراً-: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم] .
قوله:(الأذرمي) ، الصحيح: أنه بالذال، أي: الأذرمي، وهو إمام مشهور اسمه: عبد الله بن محمد الأذرمي، تتلمذ على وكيع بن الجراح وسفيان بن عيينة وغيرهم، روى عنه أبو داود، وروى عنه النسائي وعبد الله ابن الإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي وغيرهم، وهذا العالم الفاضل مترجم في (تهذيب التهذيب) في اسم: عبد الله، وقد أشار ابن حجر في (تهذيب التهذيب) إلى هذه القصة التي معنا؛ كما أن ياقوت في (معجم البلدان) لما جاء إلى مدينة أذرمة ترجم لهذا العالم، وأشار إلى هذه القصة.
وقول ابن قدامة:(لرجل تكلم ببدعة) هذا الرجل هو شيخ المعتزلة في وقته أحمد بن أبي دؤاد، والبدعة التي جرى حولها النقاش هي بدعة القول بخلق القرآن؛ ومنهج هذا الإمام في مناقشة أحمد بن أبي داؤد منهج قوي جداً، ولقد وفق في أسلوب العرض أيما توفيق.