للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تطاير الصحف واستلام الكتب]

قال: [وتتطاير صحائف الأعمال إلى الأيمان والشمائل: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:٧-١٢]] .

بعد الحساب وبعد الموازين وبعد نشر الدواوين تتطاير الصحف التي هي نتائج ذلك الحساب وتلك الموازين، فمن أوتي كتابه بيمينه فهو الناجي السعيد، نسأل الله الكريم من فضله، ومن أوتي كتابه بشماله من وراء ظهره فهو الخاسر، نسأل الله السلامة والعافية.

وفي ذلك اليوم العظيم يتبين من هو الخاسر ومن هو الرابح، أما موازين الدنيا وخسارات الدنيا بجاهها وبمناصبها وبأموالها وبشهاداتها وبغير ذلك، فهذه كلها أمور لا تساوي شيئاً أمام ذلك الموقف العظيم، وليس بيننا وبين قربنا من ذلك الموقف إلا الموت، وكل منا لا يدري متى أجله.

وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٧-٨] ، أي: من أعطاه الله الكتاب باليمين فهذا هو الذي حوسب حساباً يسيراً.

وقوله: {وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق:٩] ، أي: إلى أهله وبيته في الجنة مسروراً أعظم السرور بنجاته من النار، وبفوزه بالجنة.

وقوله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:١٠] ، وقد ورد أنه يعطى بالشمال، فقيل: يجمع بينهما بأنه يعطى بشماله من وراء ظهره، قال: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق:١١] ، أي: يدعو على نفسه بالويل وبالثبور والهلاك، ولهذا قال الله تعالى: {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:٤٠] ، فهو يدعو بالهلاك والثبور على نفسه، متمنياً أنه لم يكن شيئاً، وأنه لم يخلق، ولات ساعة مندم؛ ولهذا قال تعالى: {وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق:١٢] ، فلا ينفعه صراخه، ولا دعاؤه بالويل والثبور، وإنما تذهب به إلى النار ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

قال المصنف: [والميزان له كفتان، ولسان، توزن به الأعمال: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:١٠٢-١٠٣]] .

سبق بيان ذلك، واللسان يكون في وسط الميزان وهو معروف، ثم احتج بقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:١٠٢-١٠٣] ، هذه هي نتيجة الحساب، فمن ثقلت موازينه فهو الرابح، وهو المفلح، وهو الناجي، ومن خفت موازينه فهو الخاسر؛ لأنه يوم القيامة ليس هناك إلا طريقان، وليس هناك طريق ثالث، ولا شيء وسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>