للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد والأحكام]

السؤال

هل أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد؟ وما رأيك فيمن يقول: إن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد؟

الجواب

هذا منهج ضخم جداً من مناهج أهل البدع وعلى رأسهم المعتزلة، ومن المؤسف حقاً أن كثيراً من متكلمي الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية الذين تبنوا عقائد الأشعرية والماتريدية يميلون إلى هذه القضية، وهي أن أخبار الآحاد يؤخذ بها في باب الأحكام، لكنها تفيد الظن، ومن ثمّ لا يؤخذ بها في باب العقائد، وهذا المنهج لا شك أنه منهج مخالف تمام المخالفة لمنهج السلف.

وأما حكاية الخلاف في هذه القضية، فإن كثيراً منهم يحكي أن الجمهور يرون أنه لا يفيد العلم، ولا يحتج به في باب العقائد؛ وقلة من الحنابلة أو من غيرهم يرون أنه يفيد العلم ويحتج به في باب العقائد؛ وحكاية الخلاف بهذه الطريقة حكاية معكوسة، بل إن جماهير العلماء يرون أنه يفيد العلم، ويحتج به في باب العقيدة، وقلة ممن تبنى مذاهب المتكلمين من المعتزلة ومن غيرهم قالوا: إنه يفيد الظن، ولا يحتج به في باب العقيدة، ومن تأمل أحوال الأمة الإسلامية في نقلهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتفرغ جهابذة العلماء وخاصة علماء الجرح والتعديل يقطع بأن القضية ليست خبر آحاد، وإنما القضية قضية تبديل الرسالة؛ لأن من قال: إنها تفيد الظن، وقال: لا يحتج بها في باب العقائد، معناه أنه جعل لنفسه سلماً للطعن في جميع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ونتيجتها: أن الله سبحانه وتعالى لم يبلغ، ولم يرسل إلينا هذا بطريقه الصحيح! أما أهل السنة والجماعة فيقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الصحابة، والصحابة بلغوها من بعدهم، ووصل إليهم بالأسانيد والطرائق الصحيحة، والإمام البخاري استخرج صحيحه سبعة آلاف حديث من أكثر من ستمائة ألف حديث، والإمام أحمد بن حنبل كان يحفظ مئات الألوف من الأحاديث الموضوعة المكذوبة الضعيفة.

فالقضية ليست سهلة، القضية ممحصة ومبينة، ومن ثم فإن القول بأن أخبار الآحاد لا يحتج بها في العقائد يناقض ما كان على عهد الصحابة والقرون الثلاثة المفضلة؛ وجماهير العلماء كلهم في منهجهم يقررون أن خبر الآحاد إذا كان صحيحاً ثابتاً بالإسناد الصحيح، ليس فيه علة، وليس فيه شذوذ، ولم يتكلم العلماء فيه؛ فهو يفيد العلم، ومن ثمَّ نأخذ به في باب العقيدة كما نأخذ به في أي باب من أبواب الأحكام الأخرى؛ وتفصيل هذا لعله تأتي له مناسبة أخرى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>