[تعريف الإيمان عند المخالفين لأهل السنة والجماعة]
الذين ضلوا وانحرفوا في باب الإيمان، سبب ذلك هو قصرهم الإيمان على تعريف معين، فوقعوا في أخطاء؛ لأن منهم من قال: الإيمان قول اللسان فقط، فمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن، ونحن نقول: هل يكون المنافق مؤمناً؟ قالوا: هو مؤمن ظاهراً، لكن في الباطن هو كافر.
وجاءت طائفة أخرى فقالت: لا اعتبار بهذا، إنما الاعتبار بمعرفة القلب، فالإيمان هو المعرفة، فمن عرف الله وعرف الرسول أنه صادق فهو مؤمن.
فقلنا لهم: ما تقولون في الشخص إذا كان قد عرف لكنه كذَّب مثل إبليس، فإبليس في قرارة نفسه كان عارفاً بالله، ولكنه كفر بالجحود، وكفر بالإباء والاستكبار.
وهكذا فرعون كان عارفاً بالله، قال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤] .
إذاً: التعريف للإيمان بأنه المعرفة كما عرفته الجهمية تعريف باطل؛ لأنه يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون مؤمنين؛ لأنهما يعرفان الله.
وبعضهم قال: الإيمان هو التصديق، وهذا تجده عند الأشعرية والماتريدية، فقلنا لهم: ما تقصدون بالتصديق؟ إن قصدتم به المعرفة -يعني: أن يصدق بقلبه- فإبليس وفرعون كانا مصدقين، واليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مصدقين بقلوبهم أن محمداً رسول الله، لكنهم كفروا.
فقالوا: نحن نفرق بين المعرفة وبين التصديق، فالتصديق يلزم منه شيء من عمل القلب.
فنقول: هذا كلام أردتم به التفريق، لكن لا يتم ذلك إلا بأن تفسروا الإيمان بما دلت عليه النصوص، وإلا ففرعون مصدق، بل الله سبحانه وتعالى ما جعله تصديقاً وإنما سماه يقيناً، فقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} واليقين تصديق جازم، ومع ذلك كانوا كفاراً وإن كانوا مصدقين، فكيف تقولون: الإيمان هو التصديق؟! ولهذا كانوا متناقضين حينما عرفوا الإيمان بأنه التصديق.
كذلك أيضاً مرجئة الفقهاء كـ أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله تعالى قالوا: الإيمان هو قول باللسان، واعتقاد بالقلب فقط، ولم يدخلوا العمل، فقلنا لهم: إن النصوص الصريحة الصحيحة دلت على دخول أعمال الجوارح في مسمى الإيمان، فتعريفكم ناقص، وأنتم -رحمكم الله- وإن أوجبتم العمل ولكنكم أخرجتموه عن مسمى الإيمان، إلا أن إخراجكم له مخالف للنصوص الصريحة الصحيحة.
فهؤلاء كلهم انحرفوا على تفاوت فيما بينهم في تعريف الإيمان، لكن التعريف الصحيح هو ما ذكره أهل السنة والجماعة وعبر عنه المصنف هنا.