[وجوب الإيمان بالقضاء والقدر والكفر بتأثير الكواكب والبشر]
ثم قال: [وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره] .
فتقديره الكوني لا يخرج عنه أحد، فكل ما جرى، وكل ما هو جارٍ الآن، وكل ما سيجري فهو بتقدير الله سبحانه وتعالى، ومن ثمَّ فإن الإيمان بالقضاء والقدر هو أساس الإيمان، وأساسه إيمان العبد بربه تبارك وتعالى.
ومن هنا قال المصنف: [ولا يصدر إلا عن تدبيره] .
فهو المدبر لكل شيء يجري، أما ما يزعمه بعضهم من أن بعض الملائكة أو بعض الخلق: من ولي، أو رسول، أو نجم أو غير ذلك، له تدبير، فكل ذلك باطل، بل التدبير لله سبحانه وتعالى؛ لأن بعض المشركين -ومن هنا دخل الشرك في عبادة النجوم وعبادة الكواكب، وعبادة الأولياء وغير ذلك- ظنوا أن بعض هؤلاء يملك من الأمر شيئاً، فتجد بعض الناس في حال فقره أو مرضه قد يظن أن من المخلوقات من يملك شيئاً! ولهذا يتعلق بعضهم بساحر، وبعضهم بكاهن، وبعضهم بولي، وبعضهم بصاحب قبر، وكثير منهم يتعلق بالنجم، والذي نجمه نجم الثور، أو نجمه نجم العقرب يتعلق بذلك، وينظر ماذا يقول المنجمون! ومن أين جاء نجم الثور ونجم العقرب وغير ذلك؟ جاء من مذهب الفلاسفة الذين يقولون: إن الله ليس متصفاً بصفات، وإن الله لا يعلم الخلق، وإن الله ليست له إرادة ولا تدبير، ومن ثمَّ فإن الله سبحانه وتعالى بعيد عن الخلق، وليس له من أمرهم شيء، لا يعلم ماذا يصنعون! فقيل لهم: لمن التدبير؟ قالوا: التدبير للعقول، والأفلاك، والنجوم.
فتعلقت نفوسهم بتلك النجوم، وقلدهم كثير من المسلمين، وتعلقت نفوسهم بهذه الأبراج، بينما هذا هو الشرك بالله العظيم، وهو شرك نشأ في دار العبودية والربوبية، أما المسلمون فإنهم يوقنون أن الله هو المدبر، كما قال تعالى عن نفسه: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩] سبحانه وتعالى! فهو كل يوم في شأن، يغفر ذنباً يقبل توبة يشفي مريضاً يعين ضعيفاً يقوي قوياً يزيل ملكاً يصنع ملكاً، فهو سبحانه وتعالى في كل يوم يفعل ما يشاء؛ فهو مدبر عليم محيط، هذا هو الإيمان بالقضاء والقدر، أما التعلق بغير الله تعالى فمنشؤه الاعتقاد في هذه المخلوقات من نجم أو ولي أو غيره، أن لها علماً يحيط، أو أن لها تدبيراً، وكل ذلك كفر بالله سبحانه وتعالى.
ومن هنا كان إيمان المؤمن بالقضاء والقدر يعصمه من أمور كثيرة، ربما نعرض لها إن شاء الله تعالى، وعلى رأسها عصمته في باب توحيد الربوبية الذي هو أساس وعمدة توحيد الألوهية.
وثانياً: عصمته في مسيرته في الحياة؛ لئلا يقع في نفسه تعارض بين القضاء والقدر، وبين الأمر والشرع، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا محيد عن القدر المقدور] .
أي: أن الجميع لا محيد لهم عما خط له في القدر المقدور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لـ ابن عباس: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف) .
ولهذا قال الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه لابنه في مرض الموت: (واعلم يا بني! أنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك) .
فمتى يكون المؤمن شاكراً صابراً؟ يكون شاكراً صابراً إذا رضي بالقضاء والقدر؛ فإن أصابته سراء شكر؛ لأنه علم أن هذا من الله، وبشكره يغفر الله له، ويرفع له درجته، وإذا أصابته الضراء علم أنه قضاء وقدر، فصبر؛ فيؤجر على ذلك، وليس ذلك إلا للمؤمن، هكذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبقي في القدر موضوعات نكملها إن شاء الله تعالى في الدرس القادم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.