[الأمر بالاهتداء بمنهج السلف والتحذير من المحدثات]
ثم قال المصنف: [وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم] .
أي: أمرنا بأن نقتدي بهؤلاء السلف رحمهم الله تعالى، وأن نهتدي بمناراتهم العالية المضيئة التي أبرزوا من خلالها المنهج الحق الوسط، منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى.
ولهذا قال: [وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين والمهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم! ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ] .
وهذا استشهاد من المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أمته باتباع السنة، وحذرهم من البدع، وأمرهم باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ولهذا لو تأملت ما ورد عن الخلفاء الراشدين لوجدته تطبيقاً عملياً لما في كتاب الله وما في سنته صلى الله عليه وسلم، ولم يقع منهم تحريف أو تأويل أو تغيير أو تفويض، وأما الخلاف في باب الأحكام فهذا واقع حتى بين الصحابة، كما حدث حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فاختلف الصحابة، لكن في باب إثبات الأسماء والصفات لم يقع في هذه العهود المفضلة بين الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أي اختلاف.
ولهذا أمرنا باتباع هدي وسنة الخلفاء الراشدين؛ وذلك في باب العقيدة وفي باب المنهج.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) ، فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور المحدثة التي هي بدع وضلالات.
والبدعة هي: أمر محدث في الدين، فيه مضاهاة لما ورد في الشريعة، وإنما قلنا هذا حتى يخرج عن ذلك الأمور الحادثة التي هي من باب العادات، فلا يقول إنسان مثلاً: إنهم كانوا يركبون الإبل في الزمن القديم، فالسيارات بدعة، لأن هذه الأمور من باب العادات، والأصل فيها الإباحة، وإنما تضبط بقواعد الشرع العامة فقط من خلال المقاصد ونحو ذلك.
لكن المقصود بالبدعة: أن يبتدع الإنسان أمراً في الدين، سواء كان هذا الأمر أمراً عقدياً أو أمراً يتعلق بالعبادة والشرع، فهو بدعة وضلالة.
فأهل الأهواء تجد كل واحد منهم ابتدع بدعاً كثيرة مخالفة لنص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنقول: هذه بدعة، كبدع الجهمية في باب الصفات، وفي باب القدر، وبدع المعتزلة في باب الصفات وفي باب القدر، وبدع الروافض في باب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرها، وبدع القدرية وبدع المرجئة، هذه كلها بدع محدثة في باب العقائد مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
ومثله أيضاً البدع العملية، مثل أولئك الذين يبتدعون أوراداً أو أذكاراً أو موالد أو غير ذلك، فهذه بدع عملية؛ لأن صاحبها يريد أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بهذا العمل، فاخترع هذا الذكر بهذا الشكل وبهذه الصياغة وبهذه الجماعية في هذا الوقت، فهذه الأمور كلها تحول هذا الأمر إلى أمر بدعي.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه البدع جميعاً فقال: (وكل بدعة ضلالة) ، ولهذا فإن المنهج الصحيح هو السير على منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهاج أصحابه، فإن ذلك لا يتعارض أبداً مع مستجدات العصر.
بمعنى: أنه لا يمكن أن يأتي زمان -مهما كان هذا الزمان- نحتاج فيه إلى تغيير في شرع الله تعالى؛ لأن الشرع كامل صالح لكل زمان ومكان، فقد تتغير أمور الناس، وتتغير أشكال حياتهم، وتتغير الوسائل، لكن تبقى الأصول التي أمر الله بها وأمر بها رسوله وشرعها الله وشرعها الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتغير ولا تتبدل أبداً.
وهذه هي الثوابت في دين الله تعالى التي لا تقبل التغيير أبداً، وأي تغيير فيها هو اتهام لهذه الشريعة بالنقص، سواء كان في باب العقائد والتصورات ونحو ذلك، أو في باب الشريعة وتطبيقها، أو في باب العبادات التي يتقرب بها العباد إلى ربهم سبحانه وتعالى، كل هذه الأمور مما جاءت به الشريعة كاملة، ولا تتغير هذه الأمور أبداً مهما اختلف الزمان، ومهما تغير المكان، وهذا واضح جداً، والحمد لله تعالى.