ثم قال: [وقال تعالى: {كهيعص}[مريم:١] ، {حم * عسق}[الشورى:١-٢] ، وافتتح تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة] .
أراد المصنف رحمه الله تعالى بهذا الكلام أمرين: أحدهما: أن {كهيعص}[مريم:١] ، حروف، وهي من كلام الله، وداخلة في القرآن.
وكذلك أيضاً:{حم * عسق}[الشورى:١-٢] ، وكذلك {ن}[القلم:١] ، {الم}[البقرة:١] إلى آخره.
وقوله:(وافتتح الله تسعاً وعشرين سورة بالحروف المقطعة) ، أي: أن كل هذه السور افتتحت بهذه الحروف المقطعة، وذكر الله سبحانه وتعالى القرآن بعد كل حروف مقطعة من هذه السور، إلا في موضع واحد، فمثلاً: قال تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:١-٢] ، وقال:{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص:١] ، وقال:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم:١] ، وقال:{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}[ق:١] ، وقال:{حم}[الأحقاف:١] ، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ}[الأحقاف:٢] ، وهكذا كل السور بعد الحروف المقطعة ذكر فيها القرآن العظيم، وهذا دليل على أن هذه الحروف هي كلام الله، وعلى أن المقصود -والعلم عند الله تعالى- من هذه الحروف: بيان إعجاز القرآن العظيم، وكأن الله يقول للمشركين: هذه هي الحروف، ومع ذلك هذا القرآن العظيم من عند الله سبحانه وتعالى وأنتم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله، وهذا يدل على أن هذا القرآن حروف وكلمات، وأنه كلام الله تعالى.
وأما الموضع الذي افتتحت فيه السورة بالحروف المقطعة ولم يذكر بعده القرآن فهي سورة مريم:{كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}[مريم:١-٣] .
فما ذكره بعضهم من أنه لم تذكر الحروف مقطعة إلا ويذكر فيها كلام الله يستثنى منه هذه السورة، وما قصده ابن قدامة رحمه الله تعالى واضح جداً.
نكتفي بهذا، ونستكمل -إن شاء الله تعالى- في الدرس القادم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.