[قيام الحجة على الإنسان حتى لا يحتج بالقدر على المعاصي]
وقوله:(ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره، واجتناب نواهيه) ، هذا هو الأصل، فمن فعل ما أمره الله سبحانه وتعالى به، واجتنب ما نهاه عنه فإن هذا من توفيق الله، لكن من خالف فلا يلومن إلا نفسه، ولا يجوز له أن يحتج بالقضاء والقدر، ولله عليه الحجة.
ونحن نقول هنا: هذا الأمر الثالث، وهو: أن الحجة قد قامت عليك أيها العبد! من وجوه عديدة: أولاً: قامت الحجة على العبد بالتكليف، وهو البلوغ والعقل، فالإنسان المجنون لا يسأل ولا يكلف، وغير البالغ أيضاً لا يسأل ولا يكلف، وهذه رحمة من الله سبحانه وتعالى.
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أعطاك -مع العقل والبلوغ- قدرة بها تفعل، وإذا عدمت القدرة فإنك لا تسأل، فلو أن واحداً أرغمك على فعل وأكرهك فتكون مجبوراً ولا تحاسب.
الثالث: وأعطاك الله أيضاً إرادة بها تفعل.
إذاً: هناك إرادة، وهناك قدرة، ولهذا لا يمكن أن تأتي لإنسان يفعل معصية بإرادته إلا وهو يعلم يقيناً أنه يستطيع أن يفعلها، ويستطيع ألا يفعلها، ولو أجبر على ذلك لما حوسب، وهذا هو الواقع، فإن العاصي يذهب إلى المعصية بإرادته، ويترك الواجب بإرادته.
إذاً: قدرة الإنسان وإرادة الإنسان التي أعطاه الله سبحانه وتعالى إياها هي مناط تكليفه ومحاسبته على فعله.
الرابع: أن الله سبحانه وتعالى لا يعاقبك إلا بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان الحجة، فالشخص أو الأمة الذين ما بلغهم رسول ولا كتاب لا يحاسبون، وإنما تقوم الحجة على العبد إذا بلغته الرسالة، قال عز وجل:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥] ، فبإرسال الرسل وإنزال الكتب تقوم الحجة على العبد.
إذاً: قامت الحجة على العبد؛ فهو: أولاً: غير مكره.
وثانياً: له القدرة.
وثالثاً: له الإرادة.
ورابعاً: قد بين له طريق الخير وطريق الشر.
ومن ثمَّ فما أعطاه الله من قدرة وإرادة مع البيان هي مناط التكليف، وما عدا ذلك لا يحاسب عليه، فمن كان مجنوناً لا يحاسب، ومن كان صغيراً لا يحاسب، ومن كان مكرهاً لا يحاسب، ومن كان ممن لم تبلغه الرسالة لا يحاسب.