قال المصنف رحمه الله: [قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] ، وقال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦] ، وقال تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ}[غافر:١٧]] .
لما كلف الله الإنسان وأمره بالأوامر لم يكلفه ما لا يطيق، وإنما كلف الله الإنسان ما يستطيعه؛ ولذا جاءت التكاليف الشرعية على أحسن نظام، ولذا تجب الصلاة بأركانها، لكن إن لم يستطع القيام فليصل قاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب.
ومن لا يستطيع الحج لا يجب عليه الحج، والذي لا يستطيع الصيام يفطر ثم يقضي، أو إذا لم يستطع مطلقاً يطعم، وهكذا جاءت هذه الشريعة، فتكليفات الله وتشريعاته كلها على قدر وسع الإنسان، كما قال تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر:١٧] ، أي: كسبته هي، ومذهب أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد تنسب إلى العباد أنفسهم، وإذا قلنا: إن الله هو خالق العباد وأفعال العباد فلا ننسب أفعال العباد إلى الله، وإنما نقول: إن الله خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد، لكن الله سبحانه وتعالى قدر الأسباب والمسببات، فمثلاً: الشمس خلقها الله، وإذا تحركت الشمس وجرت فالذي خلق حركتها هو الله، فإذا تحركت الشمس لا نقول: إن الله هو الذي تحرك.
وهكذا أيضاً: الذي خلق العبد هو الله، والذي خلق فعل العبد هو الله، لكن إذا فعل العبد طاعة أو معصية فينسب الفعل إلى العبد، وهذا هو المعنى الدقيق الذي غفل عنه المعتزلة وغيرهم؛ لأن الجبرية ظنوا أن كل ما يفعله العبد ينسب إلى الله، وهذا باطل.
والمعتزلة ظنوا أن العبد مستقل بفعله، فهو الذي يخلق فعله، وهذا باطل.
وأهل السنة والجماعة قالوا: نحن نفرق بين قدرة تقوم بالله، وبين ما هو من مخلوقات الله ومفعولاته المنفصلة عنه، فأفعال العباد من مخلوقات الله المنفصلة عنه، فتنسب إلى أصحابها، والكل خلق لله سبحانه وتعالى.
قال المصنف رحمه الله:[فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً يجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره] .
وهذا هو المنهج الصحيح في فهم قضية الإيمان بالقضاء والقدر.