ثم قال المصنف:[ومن ذلك -أي: من الأخبار الغيبية التي نصدق بها- أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه، ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه] .
هذه القضية لاك فيها المتقدمون والمتأخرون، ففي الزمن القديم -قبل ألف سنة- وجد من لاك في هذا الحديث، وقال: كيف يفقأ موسى عين ملك الموت؟ وفي العصر الحديث أيضاً وجد من المستشرقين وأذنابهم ممن ينتسب إلى المسلمين من يعترض بنفس الاعتراض، بينما هذا الحديث حديث متفق عليه، رواه البخاري ورواه مسلم، ورواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة، لا شك فيها أبداً، وليس فيها علة، ولا شذوذ، ولم يتكلم أحد بنقدها لا إسناداً ولا متنا، ً وإنما اعترض عليها من يعترض على خبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن ثمَّ فإن أهل السنة والجماعة يؤمنون بمثل هذا الحديث، ويصدقون بما جاء به، وهو أن ملك الموت لما جاء إلى موسى ليقبض روحه، فقأ موسى عينه، ثم إن الله سبحانه وتعالى رد على ملك الموت عينه، وجاء إلى موسى مرة أخرى، كما هو معروف في بقية الحديث وقال:(إن الله يقول لك: تعال إلى ثور، وامسح على جلده، فلك بكل شعرة من جلده سنة من عمرك، فقال موسى: وبعد ذلك؟ قال: الموت، قال: إذاً الآن) ، أي: ليقبض روحي الآن.
قد يقول قائل: وكيف ذلك؟ فنقول: الأمر يسير؛ فنحن نصدق بهذا، لكن نحن سنقرب الأمر تقريباً وليس جزماً فنقول: أليس جبريل عليه السلام كان يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي الصحابي المشهور رضي الله عنه، حتى إنه كان يدخل على الرسول فيقولون: دخل عليه دحية، بينما هو جبريل؟! أليس الرسول وأصحابه جاءهم جبريل على صورة رجل في حديث جبريل المشهور:(طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد) ؟! وفي بعض الروايات: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما علم إلا بعد نهاية الحديث.
إذاً: فهل يمنع مانع من أن يأتي ملك الموت على هيئته في صورة بشر؟
الجواب
لا يمنع ذلك شيء.
هذا أولاً.
ثانياً: لما دخل على موسى ألا يحتمل أن يكون موسى نظر فإذا في بيته رجل، فغضب لمحارمه؟ ونحن نعلم أن من اطلع على بيت أحد ففقأ عينه -كما في الحديث- فعينه هدر.
ثم إذا كان الملك يأتي على صورة بشر فتفقأ عينه فليس فيه إشكال، ولهذا لما جاء في المرة الثانية وقال: أنا ملك الموت؛ اختلفت صورة الواقعة هنا، ولما قال له:(أمرر بيدك على جلد ثور، فلك بكل شعرة سنة) أجابه موسى عليه الصلاة والسلام بما سبق أن ذكرنا.
إذاً: المسألة ليس فيها إشكال، وما دام الخبر قد جاء بالإسناد الصحيح فلا إشكال، فنحن نؤمن بذلك ونصدقه، ولا نعترض، ولا ندخل بعقولنا وتوهماتنا.