ثم قال:[ولا يشغله شأن عن شأن] أي: لكمال صفاته، فالمخلوق لضعفه حتى لو كان عنده بعض الصفات لا يستطيع أن يشتغل بأكثر من أمر في وقت واحد، ويندر أن يجمع قواه العقلية لتكون في شغلين متكافئين، وإنما غاية ما يحصل عند الإنسان أن يشتغل بأمر يعمل فيها ذهنه، ثم يشتغل بيده أو برجله بشغلة أخرى لا تحتاج إلى إعمال الذهن، أما ماعدا ذلك فلا يستطيع.
أما الله سبحانه وتعالى فهو يسمع، وسمعه وسع السماوات والأرض؛ فيسمع في وقت واحد دعاء الداعين وأقوالهم على اختلاف الزمان والمكان، وهو سبحانه وتعالى كل يوم في شأن، ولا يشغله شأن عن شأن، فيغفر لهذا، ويتوب على هذا، ويستجيب لهذا، ويرزق هذا، ويحيي هذا، ويميت هذا، سبحانه وتعالى وتقدس؛ لأنه كامل الصفات، فلا يقاس بغيره، وهذا هو حقيقة فهم أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى لأسمائه وصفاته؛ حيث إنهم يفهمونها كما يليق بجلاله وعظمته، ومن ثمَّ فلا يحتاجون إلى تأويل.
أما أهل الكلام الباطل فإنهم أولاً يقعون في التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الله تبارك وتعالى ظنوا أنها كصفة فلان فيقعون في التشبيه، ثم يضطرون إلى التأويل والتعطيل؛ أما أهل السنة والجماعة فيثبتون لله الصفات كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يحتاجون إلى تأويل ولا إلى تحريف ولا إلى تعطيل.