[الأدلة من القرآن الكريم على القضاء والقدر]
قال المصنف: [وقال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]] .
وهذه بعض الأدلة من القرآن على القضاء والقدر، فهو سبحانه وتعالى يخلق المخلوقات ويوجدها حسب تقديره سبحانه وتعالى، فهو الذي قدرها سابقاً بعلمه أولاً، ثم بما شاء، ثم بما كتب سبحانه وتعالى، ثم تقع وتوجد حسبما قدره الله تبارك وتعالى.
قال المصنف: [وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢]] .
أي: أنه خلق الأشياء كلها، وخلقها إنما يكون بتقدير من الله سبحانه وتعالى.
وهذا أمر مشاهد فيما يخلقه الله سبحانه وتعالى ويقدره من آيات في الكون، وفي الأنفس، وفي الأرض، وانظروا إلى كلام الأطباء -مثلاً- في خلق الإنسان، وفي كل جزئية من جزئيات الإنسان تروا عجباً! وانظروا إلى كلام الفلكيين في هذه الأكوان، وبعدها، ومسافاتها تجدوا عجباً! وانظروا إلى هذه الأرض، وتربتها، وما يتعلق بالزراعة فيها تجدوا عجباً! وانظروا إلى البحار إلى آخره.
إذاً: الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء فقدره تقديراً، ولذا فالعباد لا يملكون من الأمر شيئاً، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:٤١] .
وأقول: مع التقدم العلمي العظيم اليوم هل يملك البشر من أمر تدبير هذا الكون شيئاً؟
الجواب
لا يملكون شيئاً، بل إن أموراً تجري وضعوا لها الرصد بالأدلة المادية، والأجهزة الدقيقة، ومع ذلك لا يعلمون، وأقرب مثال هذه الزلازل التي وضعوا لها شتى الأجهزة المتطورة الحديثة، ومع ذلك يفجئون بالزلزال يقلب عليهم بيوتهم وجسورهم ونحو ذلك! قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢]] .
أي: إلا هي مسطورة في كتاب من قبل أن نخلقها، وهذا يعطي الإنسان الرضا بالقضاء والقدر، فما يصيب الإنسان من مصيبة في الأرض من جائحة، أو زلزال، أو عواصف رعدية، أو ما يصيبنا في أنفسنا من مرض، أو حوادث إلا والله سبحانه وتعالى قد كتبها قبل أن يخلق الإنسان ويوجده.
إذاً: دل هذا على أن الإيمان بالقضاء والقدر يقتضي الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى قدر هذه الأشياء قبل أن توجد، والإيمان بهذا هو الذي يؤدي بالإنسان إلى أن يؤمن بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، ويسلم، فيتحول أمره إلى راحة نفسية؛ لأن الإنسان إذا علم أن القدر مكتوب ولن يتغير لا يتأثر.
ونحن أيها الإخوة! كم يمر علينا في اليوم من حالات نحزن فيها على فوات مقدور، بل يحزن الإنسان أحياناً على إشارة المرور إذا أقبل عليها وقد صارت إشارة حمراء! فكيف إذا تعلق الأمر برزق الإنسان، وبأمور وظيفته، وبأمور أولاده، وبأمور معاشة! فكم يمر على الإنسان من أمور يريدها، لكن يقع ما أراده الله سبحانه وتعالى، فإذا علم الإنسان أن هذا مكتوب مقدر استراح، وإنما عليه أن يحضّر قلبه للإيمان بالمقدور وسوف يستريح، فلا يأسف على ما فاته؛ لأنه لو جمع الدنيا كلها، واجتمع الخلق كلهم على أن يغيروا هذا الأمر -ولو كان صغيراً- فلن يستطيعوا؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي أراده وقدره.
قال المصنف: [وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:١٢٥]] .
وهذه هي الإرادة الكونية الشاملة التي هي بمعنى المشيئة؛ فتشمل الخير والشر، قال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:١٢٥] ، وإذا شرح الله صدره للإسلام استجاب وآمن، {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:١٢٥] ، وجعل الصدر ضيقاً حرجاً إنما يكون بذنب العبد، كما قال تعالى عن الكفار: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥] ، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣] .
فالله سبحانه تعالى لا يمكن أن يظلم العبد، لكنه سبحانه وتعالى يمنع عنه رحمته، وهذا عدل منه تبارك وتعالى؛ لأنه لو رحم الجميع لما وُجد كافر أصلاً، ولا عاصٍ أبداً، لكن لحكمة أرادها سبحانه وتعالى جعل الناس فريقين.
إذاً: من يريد الله أن يضله فإنه يبتليه، فيجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء فلا يهتدي، وليس هذا إلا عدل منه سبحانه وتعالى، كما ذكرنا قبل قليل، وكما سنوضح -إن شاء الله تعالى- هذه المسألة بعد قليل.