ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[الفتح:٦]] .
وهذا يدل على إثبات صفة الغضب لله تبارك وتعالى وأهل السنة والجماعة يثبتونها لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته؛ والأدلة عليها من كتاب الله كثيرة معروفة، وهكذا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن الله كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي) ، وفي بعض الروايات:(سبقت غضبي) وهذا في الصحيحين وغيرهما؛ فهذه النصوص دالة على إثبات هذه الصفة لله كما يليق بجلاله وعظمته.
وأهل السنة لا يفرقون بين الغضب وبين غيره، لكن بعض أهل الكلام قال: كيف تثبت لله صفة الغضب، فنحن لا نعرف إلا غضب المخلوق؛ فإن المخلوق إذا غضب يغلي يثور دمه، ويحمر وجهه، ويحتقن، ويبدأ يتفوه بكلمات تدل على غضبه، هذا هو غضب المخلوق! فكيف نثبت لله سبحانه وتعالى هذه الصفة ونحن لا نعقل ولا نفهم إلا صفة المخلوق؟! والجواب عليه كالجواب عما سبق، فنقول له: نحن نثبت لله صفة الغضب كما يليق بجلاله وعظمته، ولا نقول أبداً: إن غضبه يشبه غضب أحد من المخلوقين، بل المخلوقون يتفاوتون في غضبهم؛ فغضب الواحد من الناس ليس كغضب مالك خازن النار، فنحن نثبت لله الصفة كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منها أن يكون غضبه مشابهاً لغضب المخلوقين، لكن أنت أيها المتأول النافي! ماذا تقول عن الغضب لله؟! وبماذا تفسر الآية؟! قال: غضب الله إرادة الانتقام، فنقول له كما قلنا في صفة المحبة: أنت تثبت لله الإرادة هنا، وتقول: إرادة الانتقام، أي: إرادة الله الانتقام من العباد، فماذا تقول في الإرادة؟ فنحن لا نعلم من الإرادة إلا إرادة المخلوق فحينما يريد أن ينتقم يميل إلى الانتقام، ويتجه بنفسه إلى الانتقام، فهذا الميل القلبي هل تثبته لله سبحانه وتعالى كما هو موجود في المخلوقين؟ فسيجيب ويقول: لا، ولكنني أثبت لله إرادة تليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم إذا كان المخلوق له هذه الصفة أن تكون مشابهة لصفة الله سبحانه وتعالى، ونقول له بكل ثقة: ونحن نقول في صفة الغضب ما تقوله أنت في الإرادة؛ فنحن نثبت لله صفة الغضب كما يليق بجلاله وعظمته، ولا يلزم منه أن يكون مثل غضب المخلوقين؛ فيلزمك فيما فررت إليه نظير ما لزمك فيما فررت منه.