قال المصنف:[وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم] .
لأن المبتدعة قد يوردون شبهاً، ويميلون إلى ما تشابه من نصوص الكتاب والسنة، فإذا قرأ الإنسان كتبهم واطلع عليها وسمع كلامهم ربما تأثر بذلك، فالأصل أن تربى النفوس ويربى الطلبة على العقيدة الصحيحة، والأصل أيضاً ألا يمكَّن لأهل البدع، فلا يأتي قائل يقول: دعونا نتحاور، ودعه يا أخي يشرح بدعته، فنحن مع نبي وعقيدة سليمة لا نخاف، فنقول: كيف لا نخاف؟! فالبدعة إذا ظهرت وانتشرت في الكتب، أو سجلت البدعة في أشرطة، أو أذيعت بوسائل الإعلام، وسمعها الكثير، فربما أن عشرة أو عشرين أو ثلاثين من العلماء ومن طلاب العلم لا يتأثرون، لكن كم من صغار الطلبة، وكم من ضعفاء الناس وعامتهم من إذا سمع مثل هذه الشبه، واستقرت في نفسه وقلبه سيتأثر! فلا شك أن هناك كثيرين سيتأثرون، لهذا فمنهج أهل السنة والجماعة عدم السماح لهم، وعدم فتح الحوار معهم؛ لأن الحوار معناه إيذان بأنه قد يكون الحق معهم، والأمر واضح جداً أنهم مبتدعون، والحوار ليس بين حق وباطل، لا نأتي إلى يهودي ونقول له: تعال نتحاور معك أمام العالمين وأمام المسلمين جميعاً، وإنما نقول: أنت مبطل من أول الطريق، ونقول للنصراني: أنت مبطل من أول الطريق، ولا نفتح الحوار معهم؛ لأن الحوار يكون في مسائل الاجتهاد بين علماء المسلمين وفقهائهم، هذا هو الحوار الذي يفيد وينفع، أما أن يؤتى بمبطل ويقال: تعال ربما يكون باطلك حقاً، فهذا خطأ، ولم يفعله السلف رحمهم الله تعالى.
ولهذا فإن السلف ما فتحوا باب الحوار، وإنما ناقشوا وردوا، فردوا في زمن محنة خلق القرآن على المعتزلة، وهكذا ردوا على القدرية، وردوا على الرافضة، وردوا على الخوارج، لكن لم يفتحوا باب الحوار معهم، وفرق بين هذا وهذا، ولهذا فإن من الواجب التربوي على الشباب وعلى المبتدئين في طلب العلم أن يغرسوا أولاً في أنفسهم العلم النقي الصافي من عقيدة السلف، ثم يأخذون مما عدا ذلك ما يحتاجون إليه، وحينما تنتشر بدعة أو حينما يظهر خطر شبهة أو نحو ذلك، يتعلمون الرد عليها بالطرق السليمة، وبمناهج سليمة، ومن علماء موثوقين.
أما أن يأتي إنسان فيقرأ في كتب الفلاسفة أو في كتب المتكلمين، وربما يمكث سنين طويلة، فإن هذا يخاف عليه أن يتشرب شبهة أو بدعة، وقد سبق أن ذكرنا مثالاً مهماً جداً وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع منكم بـ الدجال فلا يذهب إليه) ، وسبق أن بينا أن الدجال يؤيده الله بخوارق فتنة للناس: يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ويأمر الخربات فتأتي بكنوزها، ويقتل الرجل ويعيده، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام:(من سمع منكم بـ الدجال فلا يذهب إليه، فإن الرجل قد يسمع بـ الدجال فيقول: هذا هو الدجال الذي أخبرنا عنه الرسول، فإذا ذهب إليه ورآه وسمع منه لا يزال به حتى يصدقه) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهنا جاء الخطر، وهذا الإنسان الذي صدق بالرسول صلى الله عليه وسلم لو بقي بتصديقه وقال: لا حاجة لي في أن أذهب إلى الدجال لسلم، وهكذا نفس الشيء بالنسبة لكثير منا، فالبعض منا يقول: أنا عقيدتي قوية، وما عندي مانع أن أقرأ في كتب الفلسفة، أو في كتب المنطق، أو في كتب المفكرين اليساريين والشيوعيين والملاحدة، ثم لا يزال يقرأ ويقرأ حتى يتأثر، وكثير منهم قد لا يصل به ذلك إلى الإلحاد، لكن يضعف إيمانه ويضعف يقينه بالقرآن والسنة، وهذا من الآثار الخطيرة بالنسبة للفلسفة وعلمها، فإنها حتى ولو لم توصل الإنسان إلى الإلحاد والكفر بالله إلا أنها تضعف إيمانه، وتضعف ثقته بالكتاب، وتضعف ثقته بالسنة، ولهذا تجد المتشبعين بكتب الفلسفة وعلم الكلام وأهل البدع ونحو ذلك، تجد هؤلاء عن بكرة أبيهم إلا ما عصم ربي يستهينون بالقرآن، ويستهينون بالسنة، حتى ولو لم يصرح أحدهم بذلك، فإن القرآن عنده ما وضع إلا للعوام، والسنة ما هي إلا أمور يسيرة ليس فيها حقائق علمية، هكذا يؤمنون.
فمن أين جاء هذا التهوين لتلك المصادر الحقة التي لا يأتيها الباطل أبداً؟ جاءهم من خوضهم في علم الكلام والفلسفة والمنطق، فظنوا أن تلك العقول وذلك المنطق وأولئك الفلاسفة عندهم من العلم واليقين والوصول إلى الحقائق ما ليس في الكتاب والسنة، ولهذا قال المصنف:(والإصغاء إلى كلامهم) .
ثم قال:[وكل محدثة في الدين بدعة] .
وهذا بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفصيل البدعة ليس هذا موضع الكلام فيه.