وجود الخير والشر، والطاعات والمعاصي، والمؤمنين والكفار، هو بإرادة الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى خلق ذلك وقدره لحكم عظيمة.
ولهذا يقول هنا:(لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته) ، فكل ما يقع ويجري فهو بإرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته الكونية، كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الشورى:٨] ، وقال:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير:٢٨-٢٩] ، {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأنعام:٣٩] ، وقال:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام:١٢٥] .
وكذلك أيضاً ما وراء ذلك من وجود المخلوقات، وإحيائهم، وموتهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وهذه الدنيا، وهذه الأكوان، والبعث بعد الموت، كل ذلك بإرادة الله، ولا يكون لمخلوق فيها إرادة أبداً.
ولهذا نجد أن هذه القضية يسلم بها الجميع، وقلما يوجد إنسان ينكرها، حتى الكفار يسلمون بها، ولقد كان مشركو الجاهلية يؤمنون بالقدر، ويصدقون بأن هناك أقداراً، وكذلك أيضاً الكفار اليوم يعلمون أن هذه الأمور مقدرة قدرها الله سبحانه وتعالى، وأكبر دليل على ذلك أنهم قطعوا الأمل في أشياء؛ لأنهم علموا أن الله سبحانه وتعالى قدرها وكتبها على الجميع، فمثلاً: الموت كتبه الله على الجميع، والخلق مهما بلغ طبهم وتقدمهم العلمي إلا أنهم يئسوا عن أن يصلوا إلى جعل الإنسان يبقى مخلداً، أو يبقى زمناً طويلاً يختلف عن الزمن العادي بالنسبة لأعمار الناس، ونحو ذلك.
إذاً: هذا دليل على اليقين بأن هذا الأمر كتبه الله سبحانه وتعالى على الجميع، ومن ثمَّ صاروا يفكرون بأمور أخرى.
قال:(وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره) .
فلا يخرج في هذا العالم شيء إلا وقد قدره الله سبحانه وتعالى، فوجود السماوات، ووجود الكواكب، ووجود هذه الأرض ببحارها بجبالها بحيواناتها بحشراتها بوحوشها برياحها بأشجارها بعبادها بإناثها بذكورها إلى آخره، كل ذلك بتقدير الله سبحانه وتعالى، ولا يخرج شيء عن تقديره الكوني السابق، ولا يصدر أحد إلا عن تدبيره سبحانه وتعالى.
ولهذا فإن الإنسان يفعل ويتحرك؛ لأن الله تعالى أعطاه إرادة، وأعطاه حرية، وأعطاه قدرة، لكنه لا يخرج في مجموع ذلك عن تدبير الله سبحانه وتعالى وإرادته وقدرته.
ولهذا قال:(ولا محيد عن القدر المقدور) ، وهذا صحيح؛ فكل إنسان لا يستطيع أن يحيد عما قدره الله سبحانه وتعالى وكتبه عليه، وهذا يعلمه كل إنسان من حياته، فكم من أمور أراد الإنسان أن يمنعها فما استطاع؛ لأن الله سبحانه وتعالى كتبها عليه وقدرها، وهذا الأمر يتساوى فيه المؤمنون والكفار.