بدأ المصنف رحمه الله تعالى رسالته هذه بما يبدأ به المصنفون من أئمة الإسلام رحمهم الله تعالى فقال: بسم الله الرحمن الرحيم والكلام على البسملة منتشر في كافة شروح الكتب من جميع الأنواع، في اللغة وفي النحو وفي كتب العقائد والفقه وغيرها، ولا يكاد من شرح كتاباً من هذه الكتب إلا وتكلم عن البسملة، وعن معناها وما دلت عليه من الأسماء لله سبحانه وتعالى: الله، الرحمن، الرحيم.
ونحن نشير إلى ذلك إشارة مجملة فنقول: قول المؤلف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) المعنى: أبتدئ كتابي مستعيناً بالله تبارك وتعالى، و (باسم) : الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: أكتب، وهذا بالنسبة لمن يؤلف كتاباً، كإمامنا هنا، وإذا كان القارئ يقرأ القرآن وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، تكون (باسم) جاراً ومجروراً متعلقاً بقوله: أقرأ، وإذا كان الإنسان يدخل بيته أو يدخل مكانه ويقول: باسم الله، فيكون معناها: أدخل هذا المكان باسم الله، أي مستعيناً بالله تبارك وتعالى.
و (الله) الصحيح فيه: أنه مشتق وليس بجامد؛ لأن العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في لفظ الجلالة (الله) ، فبعضهم قال: إنه علم جامد وغير مشتق، وبعضهم قال: إنه مشتق، ثم اختلفوا في الاشتقاق هل هو من أله يأله فهو مألوه، أو من أله يأله فهو آله؟ فذهب بعض المتكلمين: إلى أنه من أله يأله فهو آله، أي: أن الله يأله عباده، ومن ثمَّ فسروه بتوحيد الربوبية وهو الخلق، أي: أن الله يأله عباده؛ فهو الذي خلقهم، وهو الذي يرزقهم إلى آخره، وبناءً على هذا التفسير وقع خطأ كبير عند كثير من المتكلمين حين فسروا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بأن معناها: لا خالق إلا الله؛ بناءً على هذا الفهم في الاشتقاق.
القول الثاني هو: أنها من أله يأله فهو مألوه، أي: معبود، أي: أن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبودية، وهذا هو القول الصحيح، ومن ثَّم جاء تفسير كلمة الشهادة (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله تبارك وتعالى، وهذا هو توحيد العبادة، وهذا هو الصحيح في معنى (لا إله لا الله) ، وهو الصحيح أيضاً في اشتقاق كلمة (الله) .
و (الرحمن الرحيم) اسمان من أسماء الله تبارك وتعالى؛ الرحمن: اسم، وهو صيغة مبالغة خاص بالله سبحانه وتعالى لا يوصف به مخلوق.
والرحيم أيضاً: اسم من أسمائه تبارك وتعالى، لكن قد يوصف المخلوق بأنه رحيم.
ونحن نقول: إن اسمه تبارك وتعالى (الرحيم) دال على صفة الرحمة، وكذلك أيضاً اسم الله (الرحمن) ، ونثبتهما لله تبارك وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة للمخلوقين؛ ولـ ابن القيم رحمه الله تعالى في أول (مدارج السالكين) كلام قيم جداً حول البسملة، وحول أيضاً اسمه تعالى (الرحمن الرحيم) ، فمن أراد فليرجع إليه؛ فإن فيه فوائد جمة.