لأن الحشر إنما هو للحساب والحساب أن يحاسب الله الإنسان على أعمال وأقواله كلها، ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ويقول:(اللهم اجعل حسابي يسيراً) ، لأن الله تعالى أخبر أن من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:(من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة: ألم يقل الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:٨] ؟! قال صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب عذب) .
فكل من نوقش الحساب لابد أن ينتهي به الأمر إلى أن يعذب؛ حتى ذلك الرجل الذي عبد الله سبعين سنة، وتفرغ للعبادة ليلاً ونهاراً، وقدم بين يدي الله تعالى للحساب فقال الله له: أدخلك الجنة برحمتي أم بعملك؟ ونظراً لأن هذا عبد الله سبعين سنة قال: بعملي، فقال الله للملائكة: حاسبوه، فحاسبوه عن عبادة السبعين سنة، فوجدوها لا تساوي نعمة البصر، فقال الله لهم: اذهبوا به إلى النار، أي أنه خرجت عبادته بالنسبة للقياس خاسرة؛ لأنها لم تساو إلا نعمة البصر، فيقول: يا رب! بل برحمتك، فيقول الله: أما برحمتي فاذهبوا به إلى الجنة.
إذاً: كل من حوسب لابد أن يكون خاسراً، لكن الله سبحانه وتعالى يعفو ويتجاوز؛ ولهذا قال:(يحاسبهم الله) ، وهذا في يوم الحساب، وسمي يوم الحساب لأنه يحسب للإنسان حسناته وسيئاته، ويطرح هذا من هذا إلى آخره.