للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم من كفر بحرف من القرآن الكريم]

ثم قال المصنف: [وقال علي رضي الله عنه: (من كفر بحرف فقد كفر به كله) ] .

هذا الكلام لـ علي بن أبي طالب مروي عنه بسند صحيح، رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف، وأيضاً رواه عنه ابن جرير في مقدمة تفسيره، وهو أثر موقوف صحيح إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما دل عليه قول علي رضي الله عنه وأرضاه صحيح.

ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى بعد ذلك: [واتفق المسلمون على عد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف] .

فقول علي رضي الله عنه وأرضاه: (من كفر بحرف فقد كفر به كله) قد أجمع العلماء على أن من كفر بحرف من القرآن متفق عليه -أي: اتفق عليه العلماء- ثم أنكره فهو كافر، وهذا يشبه من أنكر القرآن كله أو سورة من سوره أو جزءاً من أجزائه، وهذه قضية واضحة جداً شبيهة بقولنا: من كفر برسول ورد ذكره في القرآن فقد كفر بجميع الرسل، فلو أن إنساناً آمن بالرسل جميعاً وصدق بهم واتبع محمداً صلى الله عليه وسلم ثم إنه قال: أنا لا أؤمن برسالة نبي الله صالح أو نبي الله هود أو غيرهما من الأنبياء فإنه يكون كافراً، بل هو كافر بجميع الرسل؛ لأن السبب الذي من أجله آمن ببقية الرسل موجود في صالح أو في هود، فإذا كفر بواحد فكأنه كفر بالبقية، وكذلك هنا من كفر بحرف من كتاب الله تعالى مجمع عليه فقد كفر بالقرآن كله؛ لأن السبب الذي من أجله أيقن بأن بقية حروف في القرآن كلام الله موجود في هذا الحرف الذي أنكره، فإذا أنكر هذا الحرف فكأنه أنكر القرآن كله، وهذا بإجماع المسلمين، ولم يخالف في ذلك أحد.

وقوله: (واتفق المسلمون على عد سور القرآن) ، يقولون: في القرآن مائة وأربع عشرة سورة، ويعددون آياته، ويعددون كلماته، بل ويعددون حروفه، حتى ذكروا عدد حروف القرآن من أوله إلى آخره، وهذا كله دليل على أن القرآن حروف وكلمات، وهذه القضية أراد المصنف أن يبين بها أن مذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله، وأنه حروف وكلمات، وهذا بخلاف ما ذكره المبتدعة من الأشعرية والماتريدية وغيرهم ممن سار على طريقتهم في قولهم: إن القرآن كلام الله، لكن ليس بحروف، فأما أهل السنة والجماعة فيثبتون أنه حروف، وقد سبقت الأدلة على ذلك.

وقوله: (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر) ، وهذا لا شك فيه، وهو مقرر في كتب العلماء رحمهم الله تعالى.

وقوله: (وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف) أي: أن المصنف في هذا الكلام الأخير وفيما قبله مما ذكرناه في الدرس السابق أراد أن يقرر هذه القضية في مذهب أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى وفي القرآن خاصة، ويبين أن كلام الله تعالى حروف، وبهذا يكون المصنف رحمه الله تعالى قد أنهى الكلام في مسألة بعض أسماء الله وصفاته، وما يتعلق منها بقضيتين كبيرتين: إحداهما: قضية العلو لله تعالى.

والثانية: قضية إثبات كلام الله تعالى، ومنه الكلام في القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>