قبل أن نذكر الأدلة نذكر الذين خالفوا في باب الرؤية، فالذين خالفوا في باب الرؤية هم المعتزلة، وسار على منهاج المعتزلة الرافضة؛ فإنهم ينكرون الرؤية تماماً، وكذلك الزيدية، وكذلك الإباضية ونحوهم من طوائف الخوارج؛ فإنهم أيضاً ينكرون الرؤية.
أما بالنسبة لغلاة الجهمية والفلاسفة وغيرهم فإنهم ينكرون ما هو أكبر من الرؤية، وأما بقية طوائف أهل السنة المنتسبين إلى السنة فإنهم يثبتون الرؤية في الجملة، فيثبتها أهل السنة، ويثبتها الأشاعرة، ويثبتها الماتريدية، ويردون على المعتزلة في ذلك.
والأشاعرة والماتريدية وإن ألفوا كتباً في إثبات الرؤية وردوا بها على المعتزلة إلا أن نفيهم لعلو الله سبحانه وتعالى أوقعهم في ورطة فيما يتعلق بإثبات الرؤية؛ لأن المعتزلة قالوا لهؤلاء الأشاعرة: لا يمكن أن تصح الرؤية إلا بإثبات العلو أما إذا نفيتم علو الله، وأثبتم الرؤية، وكانت الرؤية بلا مقابلة، فمعنى ذلك: أنكم تثبتون رؤية علمية، وهذه لا نخالفكم فيها، وبلا شك أن ما ذهب إليه الأشاعرة والماتريدية في هذه القضية مخالف لمنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى، فإثباتهم للرؤية وإنكارهم للعلو فيه تناقض، فهم إما أن يثبتوا أن المؤمنين يرون ربهم، ويرفعون أبصارهم في الجنة فيرونه ويكلمهم ويكلمونه، وبذلك يثبتون الرؤية ويثبتون العلو، أو يسلكوا مسلك المعتزلة الذين نفوا الأمرين جميعاً؛ حيث نفوا العلو لله سبحانه وتعالى، وعلى إثره نفوا رؤية الله سبحانه وتعالى، وحملوه على الرؤية العلمية أو نحوها.
أما أهل السنة والجماعة فهم الذين وفقهم الله سبحانه وتعالى بسلوك المنهج الحق.
قول المصنف هنا:(ويزورونه) ، سبق قبل درسين إيراد الحديث الوارد في لفظ الزيارة، وبيان أنه حديث ضعيف.
وقوله:(ويكلمهم ويكلمونه) ، أيضاً سبق الكلام عنه، لكن في هذا إثبات لكلام الله تعالى، وأنه تكليم بمشيئته وإرادته، وهذا رد على الذين يقولون: إن صفة الكلام أزلية، وأن الله لا يتكلم إذا شاء، فكون المؤمنين يرون ربهم في الجنة ويكلمهم ويكلمونه في ذلك الوقت يدل على أن تكليم الله لهم إنما هو خاص في ذلك الوقت، أي: يوم القيامة، فتكليمه لهم وهم في الجنة يدل على أن صفة الكلام لله سبحانه وتعالى هي بإرادته ومشيئته، وليست قائمة بنفسه أزلية، كما يدعيه الأشاعرة وغيرهم، وهذا واضح، وقد سبق بيانه.