أي: أنه سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته لا يمكن أن تمثله أو تشبهه العقول في تفكيرها، أي: مهما بلغ العقل في فهمه وسعة خياله أو نحو ذلك فلا يستطيع أن يمثل أو يشبه ذات الله أو صفة من صفات الله تبارك وتعالى، وكيف يستطيع عقل الإنسان القاصر الصغير أن يمثل ذات الله أو صفة من صفاته، والله سبحانه وتعالى يقول عن نفسه:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧] ، فتصور هذا! فأنى لهذا الإنسان الذي يعتبر خلقاً صغيراً جداً يجري على هذه الأرض، وهذه الأرض بالنسبة لكون الله الشاسع لا تمثل إلا ذرة صغيرة جداً، ومع ذلك فإن الأرضين والسماوات بكواكبها ومجراتها وسعتها تكون كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:٦٧] ، فكيف يأتي العقل ليمثل صفات الله سبحانه وتعالى؟! فالله سبحانه وتعالى لا تمثله العقول بالتفكير.
ثم قال رحمه الله:[ولا تتوهمه القلوب بالتصوير] .
أي: أن القلب مهما توهم لا يمكن أن يصل إلى وهم معين بتصوير ذات الله سبحانه وتعالى أو صفاته، ولهذا قطع أئمة السلف رحمهم الله تعالى أن كيفية صفات الله سبحانه وتعالى لا تدرك ولا يحاط بها، ولذا فإن أهل السنة والجماعة يثبتون لله الصفات، لكن الكيفية يكلون أمرها إلى الله تبارك وتعالى، كما قال تعالى عن نفسه:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}[الأنعام:١٠٣] ، أي: أنه سبحانه وتعالى وإن كان يراه المؤمنون يوم القيامة رؤية عيانية حقيقية إلا أنهم مع رؤيتهم له لا يدركونه، ولا يحيطون به سبحانه وتعالى.
وفرق بين الرؤية وبين الإدراك، فنحن الآن -مثلاً- نرى السماء أو نرى الشمس أو نرى القمر لكننا لا نستطيع أن ندركه، بل نرى الجبل في الأرض لكن لا نستطيع أن ندرك تفاصيل هذا الجبل ونحو ذلك، ولله المثل الأعلى؛ فالله يرى، لكن مع ذلك هو سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:١٠٣] ، فهو سبحانه لا تتوهمه القلوب بتصوير معين، سواء كان هذا التصوير مما يتوهمه القلب لصفة ذاتية لله سبحانه وتعالى أو لصفة معنوية.