[شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر]
ثم قال المصنف بعد أن عرض مسائل اليوم الآخر كلها: [ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر] .
والشفاعة حق، والمقصود بالشفاعة الواسطة، أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشفع إلى ربه تبارك وتعالى في أهل الكبائر من أمته أن يخرجوا من النار؛ ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) وهو حديث صحيح.
وأيضاً شفاعته صلى الله عليه وسلم لمن مات وهو يقول: لا إله إلا الله.
وهذه الشفاعة يثبتها أهل السنة والجماعة، وينكرها المعتزلة والخوارج وغيرهم، فإن المعتزلة والخوارج ينكرون هذا النوع من الشفاعة، ويقولون: إن من مات من أهل الكبائر واستحق الوعيد بالنار ودخل النار فإنه لا يخرج منها أبداً، ولهذا قالوا بتخليد أهل الكبائر في نار جهنم.
ولا شك أن قولهم باطل مردود بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي فيها بيان أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشفع، وكذلك أيضاً الملائكة وبقية الأنبياء والصالحون والشهداء كلهم يشفعون.
لكن هذه الشفاعة لا تكون إلا بشرطين: الشرط الأول: أن يأذن الله سبحانه وتعالى بالشفاعة.
الشرط الثاني: الرضا عن الشافع والمشفوع له.
فلابد من الإذن من الله، ولابد من الرضا عن الشافع والمشفوع له.
ومن ثمَّ يشفع رسول الله والملائكة، بل ورد أن الشهيد يشفع لسبعين من أهل بيته فيشفعه الله فيهم، وورد أن الفرط الذي يموت صغيراً يشفع لوالديه عند الله تعالى يوم القيامة، فيشفعه فيهما، فيدخلهما به الجنة، نسأل الله الكريم من فضله.
وهؤلاء الذين يشفع لهم على درجات: فمنهم من يكون قد أمر به إلى النار، فيشفع له قبل دخوله النار، ويدخل الجنة.
ومنهم من يدخل النار ويعذب فيها حتى يحترق ويصير فحماً أسود وحمماً، ثم يشفع لهم النبي والأنبياء، ويخرجون بهذه الشفاعة، ويوضعون في نهر الحياة؛ حتى ينقون ويحيون مرة أخرى، ويدخلون الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: [فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحمماً، فيدخلون الجنة بشفاعته] .