للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلة السنة من القرآن ووجوب الأخذ بهما جميعاً

السؤال

هناك من قال: إن السنة تأتي في المرتبة الثانية بعد القرآن، فجعل القرآن في المرتبة الأولى وجعل السنة بعد القرآن، فهل هذا صحيح أم خطأ، حيث يدرس هذا في مادة الأصول؟

الجواب

هذا صحيح؛ لما في حديث معاذ أنه قال: (بمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله) ، فلا شك أن القرآن مقدم على السنة، لكن لا يفصل بينهما، أي أنه لا يمكن أن تؤخذ السنة بدون القرآن، ولا يمكن أن يعمل بالقرآن كاملاً بدون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا تجدون أن هناك طوائف أنكرت السنة، ومنهم طوائف كثيرة في باكستان والهند يسمون بالقرآنيين، يرفضون السنة جملة وتفصيلاً، ولا يأخذون إلا بما في القرآن، وهؤلاء إذا فتشت عن أحوالهم تجد كأنهم أصحاب دين جديد في عبادتهم، وفي أمورهم كلها؛ لأنه لو جاء الإنسان إلى مثل قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [هود:١١٤] ، وقال: أنا لا آخذ بالسنة في تفاصيل الصلاة، فكيف سيعمل بهذه الآية، هل سيرجع إلى اللغة العربية، ويقول: الصلاة في اللغة الدعاء، إذاً معنى قوله: (وأقم الصلاة) أنني أقف لحظات وأرفع يدي وأدعو، وأكون قد أديت الصلاة بنص القرآن؟! وهل تقبل منه صلاته هذه؟! وهكذا قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨] ، إذا جاء الإنسان ليأخذ هذا الحكم بدون السنة يقع في حيص بيص، فأي سارق ولو سرق شيئاً تافهاً يعتبر سارقاً؛ فيقطع، ثم كيف تقطع اليد؟ ولهذا لما كان الخوارج قد ضلوا في هذا الباب ولم يأخذوا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورد من مذهبهم أن السارق تقطع يده من الكتف! وهذا كله ضلال، والله سبحانه وتعالى بنص القرآن أمر باتباع السنة، والآيات في ذلك بالعشرات، أي: التي فيها الأمر لكل من يقرأ هذا القرآن أن يتبع السنة، ولهذا لما لعن ابن مسعود الواصلة والمستوصلة، نازعته إحدى النساء، فقال لها: إن هذا في القرآن، فبحثت في القرآن من أوله إلى آخره فلم تجد هذا الأمر أو هذا الحكم الشرعي، فقالت له: ما وجدته، قال: بلى، هو في القرآن، ثم أوقفها على قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩] ، وقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠] ، وقال لها: هذا الأمر جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: من اتبع القرآن فلا بد أن يؤدي به إلى أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما الفصل بينهما فهو منهج خطير جداً، بل هو من أخطر المناهج، خاصة في عصر المسلمين الحاضر؛ فإن كثيراً من أصحاب الأفكار العقلانية المائلة للاعتزال يريدون الفصل بينهما، وهؤلاء يدّعون أنهم في دائرة الفكر المسمى بالفكر المستنير، وله دعاته، وهكذا غيرهم، ولا أقول: الحداثيين؛ لأن الحداثيين لهم جذور إلحادية، فهم أعمق كفراً لكن أقول: حتى أصحاب الفكر المستنير من الإسلاميين تجدهم يميلون إلى ألا يؤخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أو على الأقل ببعضها.

<<  <  ج: ص:  >  >>