وهذه الآية في سورة الحشر جاءت بعد ذكر المهاجرين والأنصار، فقد ذكر الله الذين هاجروا، وذكر الذين تبوءوا الدار والإيمان، ثم ذكر الذي جاءوا من بعدهم فقال:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:١٠] ، وهذه الآيات هي في الفيء؛ لأن في الآيات السابقة:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}[الحشر:٧] إلى آخره، ثم قال:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}[الحشر:٩] ، ثم قال:(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) ، قال الإمام مالك رحمه الله وتعالى وغيره:(من كان في قلبه غلٍ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له من الفيء شيء) ، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن الآية كانت في الفيء، وهذا منهج أهل السنة والجماعة.
ثم قال المصنف: [وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩]] .
وهذا أيضاً بيان لوصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال المصنف: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ] .
وهذا الحديث رواه البخاري، فهو حديث صحيح، وقد ورد في المفاضلة بين صحابيين، ومع هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المتأخر:(لا تسبوا أصحابي) ، قال العلماء: فإذا كان هذا في المفاضلة بين صحابيين فما الشأن في المفاضلة بين الصحابة وبين من بعدهم؟ فدلالة الحديث على أن من بعدهم لا يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه أقوى وأكبر، وهذا ظاهر الدلالة لمن تأملها.