[الرد على شبهة انتقال ثلث الليل الآخر من بلد إلى بلد باستمرار]
القضية الثانية: اختلاف الليل والنهار، نحن نقطع يقيناً -ونحن في هذا البلد مثلاً- أنه حين يأتي ثلث الليل فإن الله ينزل، ونزوله يدل على قربنا، كما أن نزوله سبحانه وتعالى عشية عرفة يدل على قربه تبارك وتعالى من أهل عرفة، وهذا القرب هو كما يليق بجلاله وعظمته، لكن نثبته لله سبحانه وتعالى حقيقة ولا نتأوله، فنحن نقطع بنزوله في ثلث هذا الليل، وكذلك أيضاً في البلد الآخر الذي سيكون بعد ساعة وساعتين لديهم ثلث أيضاً ينزل كما يليق بجلاله وعظمته؛ والله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه؛ لأنك أصلاً لو تأملت في القضية الزمنية بالنسبة لليل والنهار لوجدتها محددة ومتعلقة بالشمس والأرض، وما يتعلق بمجراتها، لكن ما فوق ذلك الله أعلم به، ومن ثمَّ كون الإنسان يفهم هذا الفهم القاصر، والسماوات والكون كله بالنسبة لله سبحانه وتعالى لا يساوي شيئاً ثم يأتي ليقيس، نقول: هذا فهم خاطئ بالنسبة لك؛ لأنه قاصر غير معظم لله تبارك وتعالى.
وأضرب لذلك مثالاً في هذه القضية؛ ليتبين أن الله سبحانه وتعالى لا يقاس بخلقه: نحن جميعاً نعلم أن الإنسان منا متصف بصفة السمع، والله سبحانه وتعالى متصف بصفة السمع كما يليق بجلاله وعظمته، لكن تعالوا إلى صفتنا نحن؛ ماذا نستطيع أن نسمع حينما تتعدد الأصوات؟! وكم نستطيع أن نسمع؟! والواحد منا لو تكلم واحد أمامه لسمعه، وإذا تكلم اثنان في وقت واحد بكلامين مختلفين فإنه يسمعهما ولكن لا يستطيع أن يميزهما، وقد يستطيع لكن بصعوبة، لكن افترض أن أمامه عشرة أشخاص كل منهم يتكلم بكلام في قضية مختلفة عن الآخر وفي وقت واحد، فإن هذا الإنسان لا يستطيع أن يميز هذا الكلام، وإذا كان سمعه جيداً قد يميز واحداً منهم؛ لرفعة صوته أو لقربه منه فقط، لكن البقية لا يمكن أن يميز كلامهم، وافترض أن أمامه ألف شخص كلهم يتكلمون بكلام واحد، ويخاطبونه بموضوعات مختلفة؛ فإن هذا عاشر المستحيلات أن يستطيع الإنسان بحسب ما أقدره الله عليه أن يميز كلامهم، لكن هل هذا يعجز الله سبحانه وتعالى؟
الجواب
لا؛ وليس ألف شخص فقط، وإنما يجتمع في يوم عرفة في عرفات أكثر من مليون شخص، وفي غير عرفات أيضاً يجلس من غير الحجاج مئات الملايين من الناس، وكلهم صائمون، وبالنسبة للحجاج كلهم واقفون بعرفات، وكلهم قد رفعوا أكف الضراعة يدعون ربهم تبارك وتعالى بمختلف بأنواع الدعاء، وعلى اختلاف اللغات، ومع ذلك هل يغيب عنه شيء؟ وهل يغيب عن سمعه شيء؟! الجواب: لا يغيب عن سمعه شيء.
إذاً: لو جاء إنسان يريد أن يدخل عقله في القضية ويقول: كيف يسمع ربنا تبارك وتعالى؟! وكيف يمكن أن يسمع هذه الأشياء كلها بمختلف اللغات من ملايين الأشخاص؟! فنقول: نعم يستطيع، ولا يعجزه شيء.
وهنا موطن العجز بالنسبة للمخلوق؛ فالله سبحانه وتعالى متصف بصفة السمع، وصفة السمع تليق به، ولا تشبه صفات المخلوقين.
وكذلك أيضاً لو جاء قائل يقول: كيف ينزل والوقت في الكرة الأرضية مستمر؟ فنقول: نعم، وليس نزول الله سبحانه وتعالى كنزول المخلوقين، ولا يلزم منه هذا اللازم، ولهذا ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن الله سبحانه وتعالى يحاسب العباد يوم القيامة) ، أي: يحاسب جميع العباد! ولا يعلم عددهم إلا الله، ومع هذا يحاسبهم في ساعة، ويحاضر كل واحد منهم وحده محاضرة خاصة، ويقرره تبارك وتعالى بذنوبه، فكيف يتم هذا؟! بالنسبة لنا نحن البشر لا نستطيع أن نتصور هذا، لكن نؤمن به، ونصدق به؛ لأنه من صفات العليم الخبير سبحانه وتعالى.
إذاً: كل ما يخطر في البال من هذه الأمور لا يمكن أن يكون في الله عز وجل، فأهل السنة والجماعة يثبتون أن الله ينزل، ونزوله حقيقي يليق بجلاله وعظمته، ويعلمون ويوقنون وهم في ثلث الليل الآخر أن الله قريب منهم، ومن ثمَّ تتحرك قلوبهم، وتدمع أعينهم، ويحس الواحد منهم في هذا الوقت بقرب عظيم من ربه سبحانه وتعالى؛ لأنه يوقن بأن الله تبارك وتعالى قد قرب منه، وأنه نزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته لا يشبه نزول المخلوقين.
ونقف عند هذا ونكمل إن شاء الله تعالى في الدرس القادم.