قال المصنف:[ونزول عيسى بن مريم عليه السلام فيقتله] .
أي: نؤمن بأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان، وأنه يقتل الدجال، يعني: أن عندنا قضيتين من أشراط الساعة الكبرى: القضية الأولى: مجيء الدجال وخروجه.
والثانية: نزول عيسى بن مريم.
لكن نزول عيسى بن مريم يكون بعد خروج الدجال؛ ولهذا فإن هذا الدجال يكون معه اليهود، فيقاتلهم عيسى عليه السلام ومعه المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا أقبل عليه ذاب الدجال كما يذوب الملح في الماء، ثم إن عيسى يقتله ويريح المسلمين من شره، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد وردت آيات في القرآن فيها إشارات إلى نزول عيسى، كقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}[الزخرف:٦١] ، وقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}[النساء:١٥٩] ، ووردت أحاديث متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج في آخر الزمان، وينزل في شرقي مدينة دمشق على المنارة البيضاء، ينزل عليه السلام متكئاً على ملكين، ورأسه يقطر، كأنما خرج من ديماص -وهو: الحمام- فإذا خفض رأسه قطر الماء، فينزل وقد اجتمع المسلمون ومعهم المهدي الذي يأتي في آخر الزمان، وقد حضرت صلاة العصر.
إذاً: عيسى عليه السلام يحضر مع المسلمين، ويصلي صلاة المسلمين، فيقولون له: صل لنا، فيأبى، ويصلي عيسى عليه السلام خلف المهدي تكرمة لهذه الأمة، ثم يتولى قيادة الأمة، ويمكث سنين، ويحكم بالقرآن، ويقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويبطل دعوى النصارى أن عيسى صلب، ويضع الجزية، فلا لا يقبل من أهل الكتاب -اليهود والنصارى- إلا الإيمان بالقرآن والإسلام، أو السيف، أما قبل نزول عيسى عليه السلام فلهم أحكام ثلاثة: إما الإسلام، وإما أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإما السيف إذا أبوا ذلك، فإذا نزل عيسى في آخر الزمان بطلت موضوع شبهة أهل الكتاب؛ فيقال: هذا نبيكم المرسل إليكم قد جاء يأمر بطاعة محمد؛ لأن الله أخذ على عيسى العهد والميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن بمحمد؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(والله! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني) ، والرسل يصدق بعضهم بعضاً.
ويحكم عيسى بالقرآن ولا يحكم بالإنجيل، فلا يأتي قائل ويقول: إن قولكم إن الأناجيل محرفة صحيح؛ فقد حرفها الأحبار والرهبان وغيرهم، لكن الآن جاءنا من نزل عليه الإنجيل، فالإنجيل عنده غير محرف، فلماذا لا يحكم بالإنجيل؟ فنقول له: الإنجيل المحرف وغير المحرف منسوخ بالقرآن، وعيسى لأنه رسول الله يؤمن بهذا النسخ، ويصدق به، ويتبع محمداً، ولهذا لا يقبل إلا الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: خبر الدجال الغيبي حق وصدق نؤمن به، وخبر نزول عيسى بن مريم وما فيه من أحداث حق نؤمن به، ولهذا ورد أنه يحج أو يعتمر، كما قال عليه الصلاة والسلام:(ليهلن عيسى بن مريم بالبيداء حاجاً أو معتمراً) ، وهذا حق وصدق نؤمن به، ونصدق بنزوله وبما يجري في ذلك.